بعد 9 سنوات على هجمات 11 أيلول (سبتمبر) والرد الأميركي عليها، لم يتمكن حلف شمال الأطلسي من تحقيق النصر في أفغانستان. لكن ينبغي التذكير أولاً بأن الأهداف الأميركية الاولى للتدخل قد أنجزت، أي طرد طالبان من كابول وتدمير شبكة «القاعدة» في أفغانستان. بيد أن الأهداف تطورت، فمسارات كل الحروب تفلت من أيدي من يشنها. وفي نشوة النصر، دخلت المجموعة الدولية في مدينة بون أواخر عام 2001 الدرب المستحيل المتمثل في بناء ديموقراطية على طريقة (الرئيس الاميركي الثالث وواضع اعلان الاستقلال) توماس جيفرسون، بمؤسسات مستقاة من النموذج الغربي ومحاولة تطوير التقاليد المحلية. وفي أفغانستان، تتناحر الجماعات العرقية والعصابات المسلحة منذ قرون في منطقة جبلية يهيمن عليها أمراء الحرب وسط عداوات غاية في القدم بين الأكثرية البشتونية والآخرين. والأدوات العسكرية والمالية الأميركية التي كانت تتيح تحقيق الهدف هذا، ابتلعها العراق. وأعيد توجيه الاستراتيجية العسكرية بضغط من (القائد السابق للقوات الاميركية في افغانستان) الجنرال ستانلي ماكريستال صوب قمع التمرد. لكن الوضع يزداد صعوبة. وقتل 530 جندياً من قوات «الناتو» منذ بداية العام الحالي. ونظرية مواجهة التمرد التي وضعها القائدان ماكريستال وخلفه دايفيد بترايوس لا تتقدم لأن المشكلة ليست في التمرد حصراً. بل تظهر في خروج «الأمراء» على سلطة الدولة المركزية ومواجهتهم إياها وهي السلطة التي يسعى التحالف الدولي إلى إقامتها في بلد لم يعرف أبداً مثيلاً لها. لا تختصر المشكلة في «كسب القلوب والنفوس» بل في تنظيم عملية إعادة توزيع جديدة للسلطة تحترم التقاليد. من دون ذلك، سيدافع «السادة» عن امتيازاتهم. لذا، ثمة مشكلة في المنهج وإلا كيف يمكن تفسير الصعوبات التي يواجهها التحالف في تسوية هذا النزاع فيما التحالف هذا هو الأضخم في التاريخ والذي تنتج الدول المشاركة فيه، أكثر من ثلثي الدخل الخام العالمي وتنفق ثلثي الموازنات العسكرية العالمية. وإذا أضفنا النفقات المتعلقة بالعملية والاستثمارات التي يخصصها التحالف ووزعناها على عدد المواطنين الافغان وفعلنا الامر ذاته بالنسبة الى الدولة الفرنسية، لبدا انه يمكن الاستثمار على نحو أفضل. ويستدعي تغيير مسار العمليات المواءمة بين الغايات والوسائل. فإذا كانت العمليات هي مكافحة التمرد يتعين حشد السكان. ولا يمكن الفوز بتأييد الافغان ما لم يروا مصلحة في مشروع التحالف السياسي. وعلى التحالف اذاً ان يفتح لهم أفاقاً أفضل من تلك التي تفتحها طالبان. ولنتعلم من النموذج الكولومبي حيث لم يستطع الجيش التقدم في مواجهة متمردي حركة «فارك» إلا في المناطق التي شق فيها الطرقات وفتح المدارس والمستشفيات ووفر العمل للجميع. لكن لبلوغ تلك المرحلة، نظمت تلك الدولة تجميعاً لجهود «العمل المتكامل». تتلخص الفكرة في أن الدولة تتقدم وراء حد السيف الذي يجب ألّا يندفع قدماً سوى بعد تأسيس السلطة الشرعية. والقيام بهذه المناورة يتطلب وقتاً ووسائل مهمة، لم يمتلكها التحالف الدولي أبداً. فمسرح العمليات الأفغاني بعيد والرأي العام لا يفهم تماماً العلاقة المباشرة بين تلك الحرب وبين أمنه. ومن ناحية ثانية التدخل هذا مكلف للغاية. وفي العمق، يكمن التحدي في كسب السلام وليس الانتصار في الحرب. في صراع الإردات هذا، تمثل الديموقراطيات الغربية نقطة ضعف. ومن دون نقاش وطني واسع ومفتوح ومن دون تأييد شعبي قوي، لا يمكننا إبقاء قواتنا في افغانستان وسط صراع طويل وقاس. وفي فرنسا، لن يحصل هذا النقاش ولن يظهر التأييد فيما الأكثرية والمعارضة لا تهتمان بالموضوع. وتبقى فرنسا في موقف انتظاري، فلا هي تعزز وجودها هناك ولا تنسحب. وتشعر فرنسا بالاستياء حيال تورطها في مواجهة لا تدرك معناها وأهدافها. ويتوقف تطور الموقف الفرنسي على قرارات تتخذ في واشنطن. وينظر الى التدخل الفرنسي باعتباره ثمن المشاركة في الحرب على الارهاب، أو إثباتاً على تضامننا الأطلسي بل كرد على عودتنا الكاملة الى الحلف الاطلسي. والقوات المسلحة هي أداة لخدمة المشاريع السياسية للدولة. وفرنسا هي، بمعنى ما، «سجينة» سياسياً. من ناحية ثانية، تقول فرنسا انها «تخوض عمليات حربية». لكن الحقيقة هي اننا في حالة حرب. وعندما نزج فيها الوسائل العسكرية الأقوى للانتصار على عدو، لا نكون نقوم بعملية للشرطة. ومن المهم إعلان ذلك، لأن الحرب هي المبرر السياسي الوحيد لموت الجنود. وبغير ذلك لا تملك الدولة الحق في إرسالهم للمخاطرة بحياتهم في كل لحظة. وقوة أميركا هي أنها تتبنى خطاباً واضحاً. لقد اعلن جورج بوش ثم باراك اوباما بجلاء ان اميركا في حالة حرب، سواء عن خطأ او عن صواب، في العراق كما في افغانستان. وتحمل الأميركيون ذلك حتى اليوم على رغم خسارتهم 4400 قتيل في العراق و1300 في افغانستان.الحياة |