https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

من المستحيل أن تزور الصين هذه الأيام، من دون أن تقارن بين الدراماالسياسية التي تتكشف وقائعها في بكين، وبين الدراما السياسية المشابهة فيواشنطن. وفي حين أن الاختلافات بين الاثنتين عديدة، إلا أنه يؤسفني أنأقرر، مع ذلك، أن بعض أوجه التشابه قد باتت قريبة للغاية، إلى درجة تدعوللقلق. دعونا نبدأ بحقيقة أن حملة مكافحة الفساد التي قام بها الرئيس «شي جينبينج»، قد أوجدت جواً من الخوف في الصين هذه الأيام؛ سواء من التفاعل معالأجانب، أو قول الشيء الخطأ، أو التصرف بشكل ينم عن الإسراف والبذخ الذيقد يلفت انتباه مخبري شرطة «مكافحة الفساد». ولكن إذا كان الصينيون خائفينمن أن يتحدثوا إلى بعضهم البعض، فإننا في أميركا، نسينا كيف يجب أن نتحدث،مع بعضنا البعض. ففي واشنطن هذه الأيام، ليس من غير المألوف أن تتم دعوة الناس إلى عشاء، أوتجمع عام من دون أن يقول أحدهم في سره: «آمل ألا يكون هناك أي منهمحاضراً». ومنهم هنا ليس مقصوداً بها شخص من عرق أو لون مختلف، وإنما شخص منالحزب الآخر. بعبارة أخرى، في كل من بكين وواشنطن، بتنا نجد أن الرقابةالذاتية، والحذر من الكلام، قد أصبحا أكثر انتشاراً من أي وقت مضى- وإنْكان ذلك لأسباب مختلفة. ففي بكين، إذا ما فعلت ذلك، فلن يتم القبض عليك؛أما في واشنطن، فستتجنب، فحسب، الدخول في معركة. في الوقت نفسه، نجد أنه في الصين اليوم، إذا كنت مسؤولاً في الحزب الشيوعي،أو موظفاً بيروقراطياً كبيراً، فإنه يجب عليك أن تلتزم بخط الحزب الحاكم،وإلا تعرضت للمشاكل. أما في أميركا، فإنك، إذا ما كنت عضواً في مجلس النوابأو سيناتور بمجلس «الشيوخ» عن الحزب «الجمهوري»، فإنه يتوجب عليك أيضاً أنتقترب من خط الحزب الحاكم، أو تعرضت للتطهير، وعرقلة محاولة التجديد لك فيمنصبك، أو حتى لتغريدة في الظهر من الرئيس. لن تتردد الحكومة الصينية فيالقيام بحملة دعاية لدعم الحكومة، أو الدفاع عن مصالح الصين، سواء أكانتالمعلومات التي تتضمنها هذه الدعاية صحيحة أم لا؛ وهو ما ينطبق أيضاً علىترامب، والبيت الأبيض. ومع ذلك، يمكن القول إن التملق وعدم التشكك الذي يسم تغطية وسائل الإعلامالصينية لأخبار وأقوال المسؤولين الصينيين، لا يختلف عن التملق وعدم التشككالذي يسم أسلوب شبكتي «فوكس آند فريندز»، و«وشون هانيتي» عند مناقشتهمالما يقوله ترامب. ربما يفسر هذا- جزئياً- لماذا لا يعتقد عدد متزايد باطرادمن الصينيين أننا لسنا دولة «استثنائية» كما نعتقد. والصينيون مستعدونلقول ذلك الآن بصوت مرتفع. و لقد صدمني، في الحقيقة، عدد المسؤولينوالخبراء الصينيين، في ندوة جامعة «تسينجهوا» التي حضرتها، ممن كانوا علىاستعداد لأن يقولوا إن نظام حكم الحزب من أعلى إلى أسفل، ونظام الحزبالواحد، والرأسمالية الموجهة بوساطة الدولة، يتفوق على نظامنا الديمقراطي،متعدد الأحزاب، القائم على حرية السوق. وكان الدليلان الرئيسان اللذان ركز عليهما هؤلاء المسؤولون والخبراء، أنهلم يسبق لبلدهم أن تعرض لأي نوع من الانهيار الاقتصادي الذي شهدته أميركافي عام 2008، وأن نظامهم لم ينتج أبداً إدارة مثيرة للجدل (على الأقل ليسمنذ أيام ماو تسي تونج). حول هذه المسألة تحديداً، كثيراً ما دفعت محاوريّ الصينيين لأن يكونوا أكثرتواضعاً، وحذراً مما قد يحمله المستقبل. كنت أقول لهم إن نظام اتخاذالقرار القائم على حزب واحد ورجل واحد، يمكن أن يتخذ قرارات كبيرة صائبةبسرعة، لكن يمكن أن يتخذ قرارات كبيرة خاطئة بنفس السرعة أيضاً. على سبيلالمثال، أوردت وكالة بلومبيرج نيوز تقريراً في فبراير الماضي قالت فيه: «فيعام 2008، بلغ إجمالي الدين في الصين نحو 141 في المائة من ناتجها المحليالإجمالي؛ وبحلول منتصف عام 2017، ارتفع هذا الرقم إلى 256 في المائة منالناتج المحلي الإجمالي. والدول التي تتحمل مثل هذا القدر الكبير منالديون، في مثل هذه الفترة القصيرة، عادة ما تواجه صعوبات جمة». لكن «شي» والحزب الشيوعي الصيني قاما- على الأقل- بتحفيز اقتصاد بلدهما منأجل تجنب أزمة اقتصادية حقيقية سواء لأنفسهم، وللعالم، في الوقت ذاته الذيأضاف فيه ترامب وحزبه «الجمهوري» مبلغ 1.5 تريليون دولار إلى ديون الولاياتالمتحدة، لتوفير التمويل اللازم لعملية تخفيض الضرائب للشركات والأفراد فيوقت كان فيه اقتصادنا في حالة صعود بالفعل. لحسن الحظ، لا يزال هناك فرق كبير بين أميركا والصين في الوقت الراهن: ففيالوقت الذي يسيطر فيه النظام الحاكم في الصين على وسائل إعلامه؛ فإن ترامب،رغم كل جهوده لتشويه سمعة صحافتنا الحرة، قد انتهى به الحال بالفعل إلىتنشيطها. فباستثناء «فوكس نيوز»، نجد أن هذه الصحافة قد باتت أكثر نشاطاًمن أي وقت مضى. وفي حين مثلت المؤسسات وسيادة القانون في الصين- دائماً- قيداً محدوداً على قادتها، فإن المؤسسات التي بنيت على مدى 250 عاماً فيأميركا، نجحت في كبح جماح ترامب. ولكن يجب على تلك المؤسسات أن تستمر فيذلك لمدة عامين ونصف العام القادمة على الأقل؛ وهو أمر لن يكون ميسوراً بأيحال من الأحوال في ظل الإدارة الأميركية الحالية، الذي لم يكن يمزح بنسبة 100 في المئة، عندما قال في مارس الماضي عن الرئيس «شي» رئيساً لمدىالحياة… اعتقد أن هذا شيء رائع، ربما نفكر في تجربة شيء مثل هذا يوما .القدس العربي.

توماس فريدمان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ستة + 20 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube