https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

كتب محمد خير الوادي :

عادة ما تسلط الاضواء على  معجزة اليابان ، التي حولت هذا البلد الى واحد من اكبر الاقتصادات العالمية ، ووفرت له الفرصة ليكون رائدا في مجال التقانة  والاختراع . لكن هناك جانبا من التجربة اليابانية ، لم ينل كثيرا من الاهتمام ، وهو التأثيرات الاجتماعية للقفزة  التقنية اليابانية العملاقة . وما ساذكره اليوم من تفصيلات لا يحط من قدر المعجزة اليابانية ، وانما اردت التوقف عند السلبيات  التي ترافق الثورة الرقمية  التي انفجرت هناك وفي مناطق اخرى من العالم ، وتاثيراتها على علاقات الانسان بالآلة الرقمية ، وهي علاقات تزداد تعقيدا .

 فمع مرور الزمن تمكنت هذه الآلة من استدراج مخترعيها الى فخ التبعية  والتاثير المتبادلين. والانموذج الياباني يشير الى ان هذه الآلة قد شرعت في تمزيق  نسيج الانسان  المجتمعي  وعالمه النفسي  ، وهي تسير باتجاه التحكم في سلوكه الطبيعي ، وتدمير خصوصيته  ، عبر العبث باسراره وصحته ، والتحكم  بجيناته ونطفه واعضائه!

 وصفحات  الاعلام الياباني  مليئة بالوقائع حول الامراض الجديدة التي افرزتها الثورة الرقمية .واهمها : على الاطلاق ظاهرة التوحد والانسحاب الفردي الطوعي  من المجنمع .

وفي ضوء ذلك ، برزت في اليابان ظاهرة جديدة  بين الشباب خاصة ، هي العزوف عن الزواج ،والاكتفاء بالأسرة  الرقمية المكونة من شخص واحد . فحسب المصادر اليابانية ، فقد  ارتفع عدد هذه الاسر بنسبة 4.2٪ خلال السنوات القليلة الماضية ووصل عدد افرادها اكثر من خمسين مليونا (40% من الشعب الياباني !) . وفي الوقت نفسه انخفض متوسط عدد الأفراد لكل أسرة عادية إلى مستوى قياسي بلغ 2.27فردا.

 ولم تعد الاسرة الرقمية  هي الأسرة التقليدية  التي نحس في أحضانها بالدفء الإنساني، والطفل الرقمي لم يعد هو الطفل الذي تشع من نظراته البراءة ، والمجتمع الرقمي لم يعد ذاك القائم على الصلات الانسانية وقيم المساعدة  المتبادلة .

والادهى من ذلك كله ، هو  تحول الإنسان الرقمي  إلى مجرد سلعة أو كائن مستهلك، تعبث به وبمصيره شركات التقانة  الجشعة الهادفة الى الربح .

فقد استغلت هذه الشركات بروز هذه  الامراض الاجتماعية  من اجل تقديم خدماتها  وسلعها ” للمتوحدين ” . فظهرت في الاسواق اليابانية “روبوتات ” الخدمة  الأسرية ، مثل المرأة الآلية و الرجل الآلي ، والحيوانات المنزلية الرقمية ، وحتى الاصدقاء و الجلساء الآليون ،وغيرها من المخترعات، التي  اسهمت في خلق مزيد من عزلة الفرد عن محيطه الاجتماعي .

كما ارتفع  بين الشباب الياباني نهج   العزوف عن الزواج . وتبث القنوات التلفزيونية اليابانية باستمرار اعلانات للراغبين في اختيار جليس اوجليسة مؤقته لمدة عدة ساعات ، لقاء مبالغ طائلة .

وفاقمت  ظاهرة  الاسرة الرقمية المؤلفة من شخص واحد ، انتشار شيخوخة المجتمع الياباني . ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2020، اعلنت  وزارة الشؤون الداخلية والاتصالات، اليابانية  أن تعداد السكان الذي جرى في ذلك العام ، اظهرانخفاضًا جديدا  في عدد اليابانيين وصل الى اقل  من مليون شخص قياسا على  التعداد السابق الذي جرى عام  2015 . كما تناقص عدد المزارعين في البلاد منذ عام 2015 بنسبة 22.4%.

وللحقيقة نقول ، ان ظاهرة الشيخوخة منتشرة كذلك في كل من الصين واوربا وكوريا الجنوبية ،  وتحاول اوربا التخفيف من تلك الظاهرة عبراستقبال اللاجئين  ، بينما تغلق  كل من اليابان والصين وكوريا الجنوبية ابوابها امام اي لاجيء اجنبي ، وتتمسك هذه الدول بمعادلة : صفرلاجئين !

اردت من هذا العرض السريع للظواهر السلبية  التي رافقت الثورة الرقمية، التنبيه الى خطورة ما ينتظر البشرية ، في حال لم تتخذ اجراءات قانونية واخلاقية تحد من النتائج المدمرة  التي ترافق هذا  الاندفاع التقاني الاهوج  ،على الانسان  وعلى مستقبل البشرية كلها .

27/11/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة × 4 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube