بات الهلع من الصين او “تشاينا فوبيا ” التي ظهرت خلال السنوات الاخيرة ،واحدة من اهم ادوات التاثير السلبي على علاقات كثير من االدول الغربية – وخاصة الولايات المتحدة – مع الصين. لكن الامر ليس كذلك في العلاقات القائمة بين الدول العربية وبكين .وقد تحدثنا عن ذلك بالتفصيل في كتابنا المعنون ” الهلع من الصين والفرصة الضائعة ” والذي صدر باللغة الانكليزية قبل نحو شهرين عن دار نشر ” بنغوين ” العالمية .
وفي الوقت الحالي ، فاننا نلمس اتجاها معاكسا ، يتجلى في زيادة التعاون الشامل بين الصين والدول العربية في المجالات كلها . ويحدث هذا ،رغم الضغوط الشديدة والتهديدات العلنية والمبطنة التي تمارسها واشنطن على العواصم العربية المعنية لتقليص العلاقات مع الصين .
فقد تطور حجم التبادل التجاري العربي الصيني ليصل الى 320 مليار دولارعام 2021 ، بعد ان كان نحو مائتي مليار قبل عدة سنوات .
واستوردت الصين 265 مليون طن من النفط الخام من الدول العربية عام 2021، وهو ما يمثل 51.6% من إجمالي واردات الصين النفطية في ذلك العام.
كما رفضت الدول العربية الاعضاء في منظمة اوبك الرغبة الامريكية في زيادة انتاج النفط ، وساندت في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي تخفيض الإنتاج داخل “أوبك بلس” بمعدل مليوني برميل يومياً. وهو قرار اثار موجة من الغضب الامريكي ضد السعودية .
وزادت الصين استثماراتها في الدول العربية خلال العام الماضي ونما التعاون الثنائي في مجالات جديدة ، بما فيها التعاون الامني والعسكري الذي يقلق واشنطن كثيرا ، حيث بنت الصين اول قاعدة عسكرية خارجية لها في جيبوتي . وهناك دول عربية تستورد السلاح من الصين ، كما تاسست في بعض الدول العربية قاعدة صناعية مشتركة لانتاج اسلحة صينية .
كم أعلن مؤخرا عن ثلاث قمم سيعقدها الرئيس الصيني خلال زيارته المقبلة الى السعودية ، وهي قمة مع قادة السعودية ، وقمة اخرى مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي ، وثالثة مع قادة عرب.وهذه الاجتماعات ستكون مخصصة لدعم العلاقات العربية الصينية ،وتنشيط منتدى التعاون العربي الصيني الذي تأسس عام 2004.
كما انضمت 19 دولة عربية الى مبادرة ” الحزام والطريق ” التي اطلقها الرئيس الصيني شي جينبينغ عام 2015، والتي باتت اليوم هدفا رئيسيا لهجوم الو لايات المتحدة .
واتخذت معظم البلدان العربية – وهي في الوقت نفسه دول اسلامية –مواقف مساندة للحكومة الصينية ازاء الو ضع في منطقة شينجيانغ الصينية ذات الاغلبية الاسلامية ، وارسلت عواصم عربية رسالة بهذا المعنى الى منظمة الامم المتحدة .وهو موقف يناقض تماما السياسة الامريكية ازاء تلك القضية .
وتتريث اغلبية الدول العربية في مساندة الموقف الامريكي ازاء الازمة الاوكرانية .
والسؤال الذي يطرح نفسه : لماذا ترفض الدول العربية الانضمام الى موجة العداء للصين ، وتتخذ خطوات تتحدى واشنطن ؟
الجواب على ذلك يكمن في ان التعاون- عبر التاريخ كله – كان السمة العامة للعلاقات العربية الصينية ، فلم تستعمر الصين ارضا عربية ، ولم تهدد الامن العربي وتدعم حقوق الشعب الفلسطيني ـ وهي – اي الصين – تبني تعاونا يحقق الفائدة للجانبين . اضافة الى ذلك ، فان عواصم عربية رئيسية باتت مقتنعة أن واشنطن تؤجج التوترات الشرق اوسطية، ولا تريد حل النزاعات الملتهبة الموجودة . ويمكن القول ، ان السبب المباشر لهذا التحول العربي الايجابي تجاه الصين يكمن في التدخل الامريكي المستمر في الشؤون الداخلية العربية تحت يافطة ” الدفاع عن حقوق الانسان ، وابلغ مثال على ذلك قضية خاشقجي ،التي سممت العلاقات بين السعودية وادارة بايدن .
باختصار ، فان بذور ” الهلع من الصين ” التي نثرتها واشنطن في اصقاع الارض كلها ، لم تجد التربة المناسبة للنمو في المنطقة العربية، وهذا ما تحدثنا عنه بالتفصيل في كتابنا المذكور اعلاه .
3/12/2022
2/12/2022