https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

-المؤلفان: فيليب فارج ويوسف كرباج يتناول هذا الكتاب مجمل التاريخ الديمغرافي (السكاني) للمسيحيين واليهود في عالم الإسلام العربي والتركي، منذ بداية بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وحتى الآن، ويكشف عن عوامل ازدهار واضمحلال المسيحيين واليهود، ويدرس في نفس الوقت تاريخ انتشار الإسلام طوال هذه الفترة. والمؤلف: فيليب فارج هو مدير البحوث في المعهد الوطني للدراسات الديمغرافية في باريس، ومحاضر في معهد باريس للعلوم السياسية، والمؤلف المشارك: يوسف كرباج هو باحث في المعهد الوطني للدراسات الديمغرافية في باريس أيضا. والكتاب مكون من ثمانية فصول مدعمة بعشرات من الجداول والإحصاءات والرسوم البيانية، وينطلق من القول بأن الأمر تطلب قرابة الألف عام، حتى يتسنى للإسلام الفوز تدريجيا بولاء السكان الذين ينتمون إليه اليوم، ولم يكن مجرد فتح خاطف السرعة للسلطة السياسية والمعتقدات الدينية على حد سواء. انتشار طوعي ويقر المؤلفان بأن هذه الأعوام كانت بعيدة عن أن تكون زمن إكراه وعنف متواصلين، كما أن الأسلمة لم تكن قط شاملة لكل السكان، وأن سلسلة من الطوائف غير المسلمة كانت تواصل الحياة والحوار، بل وتزدهر أيضا. ويستعرض الفصل الأول وضعية المسيحيين واليهود في العالم عند ظهور الإسلام وحتى بعد ثلاثة قرون من انتشاره، حيث يشير إلى أن تعداد المسيحيين واليهود بين القبائل العربية كان هزيلا، لكن الأمر كان مختلفا في كل من العراق وسوريا ومصر. ولا بد من التأكيد على أن الإكراه في تغيير المعتقد كان غائبا في أغلب الأحيان، وهو لم يحدث عموما في تاريخ الإسلام إلا بصفة استثنائية. أفريقيا الشمالية ويتناول الفصل الثاني وجود المسيحية واليهودية في أفريقيا الشمالية، حيث يشير إلى أن عدد سكان أفريقيا الشمالية في بداية البعثة (ليبيا وتونس والجزائر والمغرب الآن) كان يتجاوز المليونين، منهم أغلبية مسيحية قد تصل إلى المليون ونصف المليون، وأقلية يهودية لا تتجاوز عشرين ألف شخص. وكانت ليبيا هي القطر الذي انتشر فيه الإسلام بشكل أسرع من غيره ثم تأتي تونس بعدها، أما الجزائر فقد احتفظت بطائفة كاثوليكية لفترة طويلة، وامتدت المسيحية بين البربر لأكثر من خمسة قرون حتى تلاشت، خصوصا بعد المواجهات الضخمة بين الجماعات المسيحية في أوروبا (الاستعمار)، وبين شعوب شمال أفريقيا. واستطاعت اليهودية أن تجتاز خمسة قرون من الأسلمة بلا متاعب تقريبا، وقد وجدوا الملاذ في بلاد الإسلام، بعد رعب المذابح التي حدثت في الأندلس للمسلمين واليهود، خاصة في إسطنبول، وفي فلسطين، وفي أفريقيا الشمالية. لكن مراسيم “كريميو”، التي منحت يهود الجزائر مواطنة “الفاتح الفرنسي” عام 1870، دقت بالفعل أول إسفين بين طائفتهم والسكان المسلمين، وبالتالي سوف يكونون شركاء للاستعمار، حتى في النزوح عن الأرض. مسيحيو الشرق والغرب وينافش الفصل الثالث الصدام الذي وقع بين مسيحي الشرق والغرب في زمن الحروب الصليبية، الذي بدأ بأفكار بسيطة لكنها باطلة، حيث زحف الصليبيون إلى الشرق تحت تخيل وجود جماعة مسيحية ترزح تحت نيران الاستبداد، وتترقب الخلاص على يد بابا روما (أوربان الثاني)، لكن واقع الأمر أن المسلمين كانوا يشكلون في ذلك الزمن أغلبية طفيفة في سوريا وفلسطين، لكنهم كانوا يحيون في مناخ تعايش يصعب تصوره في أوروبا. “استطاعت اليهودية أن تجتاز خمسة قرون من الأسلمة بلا متاعب تقريبا، وقد وجدت الملاذ في بلاد الإسلام، خاصة في إسطنبول، وفي فلسطين، وفي أفريقيا الشمالية” لقد كانت الحياة الاجتماعية والإدارية والفكرية تتشرب تدريجيا اللغة العربية والمناخ الإسلامي، وقد تم ذلك دون تمزيق لوضع غير المتحولين إلى اعتناق الإسلام، الذين سوف يحافظون على خصوصيتهم خلال الحروب الصليبية، فيما عدا موارنة لبنان. ولم يكن وضع المسيحيين المحليين سيئا إلى درجة حفز تدخل مسلح لنجدتهم، ففاطميو مصر الذين كانوا يحكمون القدس (في تلك الفترة) حافظوا على “أحد أوسع أشكال التسامح التي عرفها آنذاك أي مجتمع”، ولذا فإن المسيحيين المحليين سوف يبتعدون بحكمة خلال العمليات العسكرية، لكن تعاونهم الدبلوماسي على وجه الحصر يكفي مع ذلك لإثارة ظنون حكام المسلمين. ومع نهاية الحروب الصليبية نجح المسلمون في استعادة الأرض المقدسة لكنهم لم يتهموا الجماعة المسيحية بالتواطؤ (مع العدو)، بل يصل الأمر بالمسيحيين العرب إلى اعتبار أن انتصارات نور الدين محمود في الشمال، وصلاح الدين في الجنوب، خطوة أولى نحو تحررهم من النير الديني الأفرنجي. الهيمنة الاستعمارية وتحت عنوان: “الإسلام تحت الهيمنة الاستعمارية في المغرب”، يتحدث الكتاب في الفصل الرابع عن الاحتلال الفرنسي للجزائر عام 1830 ثم تونس والمغرب، والذي ترك وراءه في المغرب مليونا من المسيحيين من ذوي الأصول الأوروبية، ومن يهود عاشوا فيه منذ زمن بعيد. وهذا الوجود الديمغرافي -الذي كان يراد له البقاء إلى الأبد- يختفي من الناحية الفعلية، ويبلغ العدد الآن أقل من مائة ألف أوروبي، أغلبهم بقايا أثرية للجالية الاستعمارية السابقة، بل هم أجانب غالبيتهم من المهاجرين. لكن تأثير اللغة أكثر وضوحا الآن، ففي الجزائر كانت نسبة من يتحدثون بالفرنسية من الأجيال المتعلمة قبل الاستقلال 31%، ارتفعت إلى 75% في الأجيال التي التحقت بالمدارس الجزائرية بعد عام 1962 (عام الاستقلال). ومنذ نيل الاستقلال إلى الآن أسهم التوسع في التعليم بالفرنسية في زيادة المتحدثين بها، بضعف إسهام الديمغرافيا في هذه الزيادة، الناجمة عن إرادة سياسية بأكثر من آليات الإنجاب. وفي المغرب يتحدث الآن 23 مليونا من أصل ستين بالفرنسية، أي نحو 40% من إجمالي عدد السكان. جناية العلمانية ويتحدث الفصل الخامس عن النهوض المسيحي في الشرق العربي في زمن العثمانيين، حيث يؤكد أن نهوضا اقتصاديا وديمغرافيا للجماعات المسيحية الشرقية حدث فعلا في سياق دولي فريد، لكنه سوف يتلاشى مع الحرب العالمية الأولى. “كانت الأناضول -بعد أربعة قرون من قدوم الإسلام- مسيحية في مجملها تقريبا، لكنها تفتتت بالمعنى الحرفي للكلمة، وعندما سقطت القسطنطينية عام 1453م، لم يكن فيها سوى 400 ألف مسيحي” ومع تأكيد هيمنة التوسع الاستعماري وسمو مسيحيته، سار الفتح الاقتصادي والتبشير جنبا إلى جنب، إلا أنه مع التنوير سوف تتسرب الأفكار التي سوف تنتصر عند منعطف القرن العشرين، فالعلمانية والديمقراطية، سوف تصبحان العقيدتين الجديدتين، وسوف توقفان عبر آليات معقدة الصمود المسيحي. وفي الفصل السادس يناقش الكتاب اختفاء المسيحية من تركيا العلمانية، لافتا إلى أنه بعد ثلاثة أرباع القرن من مولد تركيا الحديثة، تتقهقر الذكرى المسيحية بالفعل إلى مصاف الأشياء التي يجب التنقيب عنها. لقد كانت الأناضول -بعد أربعة قرون من مولد الإسلام- مسيحية في مجملها تقريبا، لكنها تفتتت بالمعنى الحرفي للكلمة، وعندما سقطت القسطنطينية عام 1453م، لم يكن فيها سوى 400 ألف مسيحي. وفيما بين عامي 1914، 1924 اختفت الجاليتان الأرمنية واليونانية من تركيا بتكلفة بشرية قدرها مليوني نسمة، والمفارقة الأولى هي أن اختفاء المسيحيين حدث في ظل نظامين عصريين، نظام جماعة “تركيا الفتاة” و”النظام الكمالي”، اللذين كانا مفعمين بالروح العلمانية. والمفارقة الثانية هي أن الإسلام الظافر كان يتفاخر بحياة مشتركة مع المسيحيين واليهود، ولا مراء في أن الإمبراطورية العثمانية، منذ القرن السادس عشر وحتى التاسع عشر، قدمت بنية فريدة قادرة على ضمان السلم الأهلي، وقد استفادت من ذلك ديمغرافية الطوائف المسيحية واليهودية. فلسطين والديمغرافيا ويبحث الفصل السابع وضع الديمغرافيا الفلسطينية في ظل الاحتلال، حيث يشير إلى أن نسبة اليهود في فلسطين في عام 1852 لم تصل بالكاد إلى 4% (13 ألف نسمة)، لكنها زادت بفعل الهجرة حتى عام 1914 بمقدار 84 ألف نسمة (سبعة أمثال)، منهم 44 ألفا بعد عام 1897. وأدى وعد “بلفور” إلى زيادة تعداد اليهود من 59 ألفا في عام 1918 إلى 650 ألفا عند مولد الدولة الصهيونية عام 1948 (11 مثلا). وفي عام 1993 كانت “إسرائيل” تحكم سكانا يتألفون من 6.4 ملايين نسمة، 4.2 منهم يهود والباقون عربا، منهم 1.9 مليون نسمة من الأراضي التي تم احتلالها عام 67، أي إن نسبة اليهود في الدولة 64% فقط. لكن الإسرائيليين العرب -الذين كانوا عند إعلان الدولة 156 ألف نسمة- زاد عددهم عدة أضعاف الآن (نحو 1.3 مليون نسمة)، وقد بلغ تعداد (عرب إسرائيل) في عام 93 ما نسبة 20.6% من مجموع السكان. “الواقع أن احتضار الإمبراطورية العثمانية جر إلى احتضار أمة إسلامية منظمة، كانت قد أبقت لزمن طويل على المسيحيين في وضعية “الخضوع القانوني مع الصدارة الاقتصادية والثقافية” ومع توقف الهجرة واليهودية، وازدياد أعداد المواليد بين الفلسطينيين في الداخل، تزداد أزمة الديمغرافيا في “إسرائيل”، وفي حال احتفظت بالأراضي المحتلة عام 67 فإن التعداد السكاني بين العرب واليهود سوف يقترب من التساوي، في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين. اضمحلال أم خسوف وتحت عنوان: “الجماعة المسيحية في القرن العشرين: اضمحلال أم خسوف؟” يؤكد المؤلفان في الفصل الثامن -الأخير- أن سياسة الإمبراطورية العثمانية كانت ملائمة لديمغرافيا الأقليات المسيحية واليهودية، لكن الفاصل الكولونيالي (الاستعماري)، وخاصة الاستقلالات (تجزئة الدول) كانت غير ملائمة لها، فاليهود سوف يختفون تقريبا من البلدان العربية، تحت الضغوط المتعددة التي تحيط بإنشاء “إسرائيل” منذ عام 1948م. والجماعة المسيحية الشرقية لم تعرف المذابح أو عمليات الطرد، التي أدت إلى محو الجماعة المسيحية من تركيا. لقد كان فجر القرن العشرين هو العصر الذهبي بالنسبة للجماعة المسيحية العربية، التي أسهمت في تعزيز الفكرة الجديدة عن الأمة العربية، والواقع أن احتضار الإمبراطورية العثمانية جر إلى احتضار أمة إسلامية منظمة، كانت قد أبقت لزمن طويل على المسيحيين في وضعية “الخضوع القانوني مع الصدارة الاقتصادية والثقافية”. والسؤال هنا: هل يطرح النموذج الإمبراطوري العثماني صيغة أفضل للتعايش بين الأقليات المسيحية واليهودية في بلاد الإسلام، يمكن الاستفادة منها في بناء مستقبل أفضل بين هذه الأقليات وبين الشعوب التي تعيش معها؟ هذا ما يجب النظر إليه بجدية واهتمام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

15 + إحدى عشر =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube