https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

الكاتب بودوين فان ريبر تبدو سيرة الصاروخ حربائية بامتياز. فمنذ نشأته الأولى في الصين، ارتدى ألواناً تمزج فرح الألعاب النارية ورهبة الصواريخ الأولى. وتقدّم مرتدياً ألوان الرمح المشتعل ثم القذيفة الضخمة الذاتية التوجيه، فتخفّفت سيرته مع تطوّر المدافع وقذائفها واستخداماتها. ثم تقلّب بين ألوان المشروع العلمي عن جسم محلّق ذاتي التوجيه والمدفعية التي تصنع ستاراً نارياً ضخماً والطائرة المُحلّقة بأسرع من الصوت. ثم ارتدى أثواباً أشد رهبة، لكنها ليست أقل تلوّناً وتنوّعاً، عندما مزج بين كونه حاملاً لمغامرات الإنسان العلمية في اكتشاف الفضاء، وسلاحاً يعبر القارات حاملاً رؤوساً نووية، ما جعله شيئاً مراوغاً بين الدمار الشامل الآتي من السماء، وسلاح الردع المتبادل الذي يضمن السلام المرتكز على توازن الرعب. وفي أثوابه الأكثر جدّة، تخالط جسده الصلب مع الكومبيوتر الذي سُخّر عقلاً مُفكّراً يربط الصاروخ مع الأقمار الاصطناعية، كما أمعن في إظهار ردائه العلمي الزاهي عبر محرّك الدفع الأيوني الذي يُوظّف طاقة الذرّة لصنع مركبات لا تكف عن التجوال بين الكواكب! ولعل من المثير أن يرد في كتاب غربي عن اختراع كالصاروخ، حديث طويل عن مساهمة العرب في تطوّره… قديماً بالطبع، أي قَبلَ أن تكفّ المجمتعات العربية عن المشاركة الفعّالة في مسار الحضارة وعلومها. إذ يتحدث كتاب «القذائف والصواريخ» (من) عن العالِم السوري الحسّن الرمّاح الذي وضع دراسة عنوانها «أطروحة عن الفروسيّة والمكائد الحربية»، أورد فيها أوصافاً مفصّلة عن الأسلحة الصاروخية). ووصف الرمّاح أحد هذه الأسلحة بأنه «بيضة صاروخية تُحَرّك نفسها وتُحرِق»، مشيراً إلى أنها استُعمِلَت من قِبَل جيوش عربية ضد أخرى فرنسيّة في معركة «دامية» في العام 1248. ويُثبت الكتاب صحّة ما وصفه الرمّاح مشيراً إلى معلومات مماثلة عن هذه المعركة وردت في كتاب فرنسي عنها، تحدّث عن سلاح عربي ضرب الأرض بتأثير قوة صاروخية «قاذِفاً نيراناً ومُبعثراً الفرسان الفرنسيين». ووضع الرمّاح كتابه بعد هذه المعركة بقرابة نصف قرن. ويورد هذا الكتاب الذي صدر بترجمة عربية للزميل أوليغ عوكي، وجود مخطوطات عربية تتحدث عن صواريخ صينية على هيئة سهامٍ من نار. وينقل عن مخطوطة لعالِم عربي آخر أسمه شمس الدين محمد عنوانها «تشكيلة تجمع مختلف فروع الفن» من القرن 14، حديثها عن «سهم كاثاي»، مشيراً إلى أن كاثاي من أسماء الصين. كما ينقل كتاب «القذائف والصواريخ» أن مصادر عربية أخرى تناولت «الملح الصخري»، وهو مُكوّن أساسي في البارود، وسمّته «ثلج الصين». وصدر الكتاب ضمن سلسلة «قصّة تكنولوجيا» وهي مبادرة مشتركة بين «مركز البابطين للترجمة» و»الدار العربية للعلوم- ناشرون»، تروي تطوّر التقنيّات الحديثة، وتُخصّص كتاباً لكل منها. (أنظر عرض كتاب «الروبوتات» من السلسلة نفسها، في «الحياة» 22 شباط – فبراير 2013). هتلر وستالين ثم الفضاء بلغة مشوّقة وسهلة، يتتبع الكتاب مسار تطوّر الصاروخ، بداية من الصين القديمة ومروراً ببلاد العرب وآسيا وأوروبا، مستعرضاً علاقته بتقنيات مدنية وعسكرية أخرى، كالمدفع والطائرة. ويلاحِظ الدور الهائل الذي لعبته الحروب، قديماً وحديثاً، في تطوّر هذه الأداة التقنية التي باتت من أبرز عوامل القوة الاستراتيجية لدى الشعوب، وأدّت أدواراً هائلة خارج المعارك، خصوصاً في الطيران واكتشاف الفضاء. وفي الحرب العالمية الثانية، حدث اندماج بين تقنيتي المدفع والصاروخ. وتبلورت تقنية «المدفعية الصاروخية» التي تصنع سدوداً نارية، تخدم غايات القصف التكتكي المُكثّف للجيوش. وكان الجيش السوفياتي أول من نشر راجمات صواريخ محمولة على عربات. استُعمِل هذا السلاح خصوصاً في الهجوم المُضاد الشهير الذي قاده الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين، مُعلناً بداية تحرير ستالينغراد من جيش النازية. أطلق الألمان على هذا السلاح، الذي اعتمد على إطلاق موجات من صواريخ «كاتيوشا» (وهو تدليع اسم «كاتيا» الشائع في تسمية الفتيات في روسيا)، عبر تحكّم كهربائي، اسم «أرغن ستالين» Stalin Organ. ولم يصل الصاروخ إلى معناه الحديث، وهو القذيفة الباليستية، إلا في الحرب العالمية الثانية، عندما ظهر صاروخ «في 2» الذي أمكن توجيهه لقصف مدينة لندن تكراراً. وصُنِع هذا الصاروخ بفضل مساهمات من العالِم الألماني اللامع فيرنر فون براون. لاحقاً، انتقل براون للعمل مع «الوكالة الأميركية للفضاء والطيران» («ناسا»)، مُساهماً في صنع صواريخ ساهمت بدور أساسي في دفع مغامرة الإنسان في اكتشاف الفضاء. واحتُفيَ عالمياً بمئوية فون براون في 2012. وفي السنة عينها، رحل رائد الفضاء نيل أرمسترونغ، الذي يُبرز كتاب «القذائف والصواريخ» صورة تاريخية له، بعد إنجازه تجربة ناجحة لاختراق حاجز الصوت في طائرة متطوّرة تجريبية حملت اسم «إكس- 15» X-15. وأنجز أرمسترونغ هذه التجربة في العام 1959، قبل عشر سنوات بالضبط من وصوله إلى القمر وسيره على تراب «بحر السكون» في 1969. وتُذكّر هذه الصورة بالترابط بين تطوّر تقنيات الصواريخ المختلفة، وبين تطوّر الطيران، خصوصاً الحربي، ليدخل مرحلة ما بعد اختراق حاجز الصوت. وحاضراً، تجاوزت الطائرات سرعة الصوت بأضعاف، وكذلك الحال بالنسبة إلى الصواريخ أيضاً. وفي هذا المجال، تأتي سيرة عالِم الصواريخ الأميركي الشهير روبرت غودارد (1882- 1945)، الذي كان طليعياً في وضع دراسات عن صواريخ تنطلق إلى ارتفاعات شاهقة، ثم ساهم بقوّة في صنع صواريخ لاستكشاف الفضاء. ولا تزال وكالة «ناسا» تحتفظ باسم غودارد لقاعدة إطلاق صواريخ الفضاء في «كاب كانيفرال» في ولاية فلوريدا، إضافة إلى متحف يضمّ نماذج عن صواريخ الفضاء التي ساهم في تصميمها. يعود إلى غودارد، المولَع بالتجارب السريّة، فضل كتابة أول مؤلّف علمي معروف عن الوقود السائل، في العام 1936. وعلى رغم ذلك، يرجع الفضل في ظهور أول كتاب علمي عن صواريخ الفضاء، إلى عالِم الفضاء الألماني هيرمان أوبيرث (1883-1989)، الذي نشره في العام 1923 تحت عنوان «الصاروخ إلى الفضاء بين الكواكب»، ثم أتبعه بكتاب «طُرُق رحلات الفضاء». وفي حروب شهدتها المنطقة العربية، استُخدِم الصاروخ الموجّه بواسطة الأقمار الاصطناعية والذكاء الاصطناعي للكومبيوتر، حاملاً تسميتي «كروز» Cruise (ترجمتها: الجوّال) ثم «توماهوك» الأكثر تطوّراً من «كروز». كرونولوجيا وجيزة عام 1100: اختراع البارود في الصين. – منتصف القرن 12: استعمال أول مُرجّح للصواريخ العسكرية من قِبَل العرب والأوروبيين. – مطلع القرن 14: ظهور كتابات أولى عن الصواريخ في مخطوطات عربية وأوروبية. – مطلع القرن 15: انتشار استعمال الصواريخ في قارتي أوروبا وآسيا. – منتصف القرن 17: ظهور كتيّبات عسكرية عن الصواريخ في الصين وأوروبا. – 1780: القوات الهندية تستعمل الصواريخ ضدّ البريطانيين في حروب مايسور. – 1805: كيّف ويليام كونغريف تقنيات الصواريخ الهندية لتلائم أوروبا. – 1815: بريطانيا تستعمل صواريخ كونغريف ضد الدنمارك وفرنسا وأميركا. – 1840: اخترع ويليام هالي أول صاروخ مستقّر دورانياً. – العقد الثالث من القرن 19: تحسّن كبير في تقنية المدافع «الأنبوبية»، وهي شكل أوليّ للمدفعية الصاروخية، مقابل تراجع نظيراتها المعتمدة على «البارود الأسود». – 1903: وضع قسطنطين تسيولكوفسكي تصوّراً عن صواريخ متعددة المراحل تعمل بالوقود السائل متوقّعاً استعمالها في استكشاف الفضاء. – 1926: بنى روبرت غودار أول صاروخ يعمل بالوقود السائل، بعد أن وضع تصوّراً عنه في 1919. – الحرب العالمية الثانية: الاستعمال الأول للقذائف الطائرة الموجّهة، وإحياء المدفعية الصاروخية. وعقب انتهائها، شرع الأميركيون والسوفيات في صنع صواريخ للفضاء، بمساعدة مهاجرين ألمان. – 1947: نجحت الطائرة الصاروخية «بيل أكس – 1» في تخطي حاجز الصوت. – 1956: ظهــــور أول مقاتلـــة حربيّة يقتصر تسليحها على الصواريخ. بعد سنتين نجح استعمال صواريخ جو – جو للمرة الأولى، خلال معارك بين الصين وتايوان. – 1957: إطلاق أول قمر اصطناعي «سبوتنِك» ليدور حول الأرض. – 1960: وضع أول صاروخ باليستي عابر للقارات قيد الخدمة الفعلية، وكذلك جُهزّت أول غواصة مسلّحة بصواريخ. – 1962: المركبة «فوستوك 1» تدور حول الأرض بقيادة بشرية. – 1964: أول اختبار ناجح لصاروخ مضاد للصواريخ الباليستية. – 1969: حمل صاروخ فضاء المركبة «أبولو – 11» الى القمر، فحطت عليه، وأصبح نيل أرمسترونغ أول بشري يسير على القمر. – 1970: صُنع أول صاروخ عابر للقارات ومتعدّد الرؤوس. بعد ذلك انتشرت صواريخ «فروغ» القصيرة المدى و «سكود» المتوسطة المدى في الشرق الأوسط. وفي السنة التالية، صنعت الصين صاروخها الأول العابر للقارات. – 1972: توقيع معاهدة «سالت» بين أميركا وروسيا، للحدّ من الأسلحة الاستراتيجية والصواريخ المُضادّة للصواريخ الباليستية. – 1979: أوروبا تنجح في إطلاق مركبة فضاء. – ثمانينات القرن 20: أول استعمال للصواريخ ضد المُدُن منذ الحرب العالمية الثانية. – 1981: أول طيران اختباري مداري لمكوك الفضاء. – 1981 – 1983: مجموعة من الحروب المحدودة تُظهِـــر هيمنة الصواريخ التكتيكية في الحروب المعاصرة. وأعلن الرئيس الأميركي رونالد ريغان «مبادرة الدفاع الاستراتيجي» التي اشتُهِرَت باسم «حرب النجوم». – 1986: مأسـاة احتراق مكّوك الفضاء «تشالنجر». – 1987: وقّع السوفيات والأميركيون «معاهدة التخلّص من الأسلحة النووية المتوسطة المدى» («آي إن أف» INF). – 1988: رحلة أولى لـ «طائرة الفضاء» المُسماة «بوران». – 1991: شهدت «حرب تحرير الكويت» استعمالاً حربيّاً أولاً للصواريخ الجوّالة الحديثة من نوع «توماهوك»، والمدفعية الصاروخية «باتريوت» المضادة للصواريخ الاستراتيجية. – 1998: صُنع أول مُحرّكات تعمل بتقنية «الدفع الأيوني» خلال رحلة المركبة الفضائية «ديب سبايس 1». – 2001: أميركا تنسحب من معاهدة الحدّ من الصواريخ المُضادّة للصواريخ الباليستية، وتشرع في برنامج «الدرع الصاروخية». – 2003: مأساة احتراق المكوك «كولومبيا» أثناء عودته إلى الأرض. وفي السنة عينها، أطلقت الصين أول مركبة فضاء مأهولة بشرياً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

4 × أربعة =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube