https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

المؤلف:محمد توفيق

  80مليونا دفعوا ثمن هذا الكتاب لكنهم لم يقرءوه! الشعب المصرى بكل تياراته وفئاته وطوائفه، دفع الثمن، لكن شيئا لم يتغير؛ لأن القانون يحمى المغفّلين إذا صاروا حكّامًا! وقتها تصبح أدلة الإدانة هى نفسها حيثيات البراءة، ويخرج المتهم من القضية لعدم كفاية الأدلة، ويدفع المجنى عليه أتعاب المحاماة، رغم أن الجميع كان شاهدًا على ما حدث. لكنها ضريبة الغباء السياسي الذي ظل حاكمًا ومتحكّمًا ومسيطرًا ومتصدّرًا المشهد السياسي، بطول التاريخ وعرضه، ورغم الحديث الدائم عن نظرية المؤامرة والطرف الثالث؛ فإننى بعد بحث طويل وقراءة متأنّية فى كتب التاريخ، تأكدت أن ظهور الطرف الثالث سببه غباء الطرف الأول، وأنه إذا كانت هناك مؤامرة، فإنَّها ما كانت تستطيع أن تحقق أهدافها لولا (الغباء السياسي ). لكن السؤال الذى يطرح نفسه دائمًا، هو كيف يصل الأغبياء والمتغابون إلى كرسي الحكم فى مصر بهذه السهولة على مر العصور؟

1- مُصطلح الغباء السياسيّ

هذا المصطلح صكَّهُ الرئيس (السادات )، ووراء هذا المصطلح قصة حدثت في 2 أبريل عام 1971م، عندما ذهب ثلاثة من رجال (عبد الناصر ) إلى جلسة تحضير أرواح لاستشارة الجن في مستقبلهم السياسيّ، وهم الفريق (محمد فوزي ) وزير الحربية الأسبق، واللواء (شعراوي جمعة ) وزير الداخلية الأسبق، و (سامي شرف ) سكرتير الرئيس (عبد الناصر)، وكان الدجال أستاذًا جامعيًا، وتكررت هذه الجلسة في 4 مايو من نفس العام، وقد تم تسجيل كلتا الجلستين!

أوحى الدجال إلى هؤلاء الرجال الثلاثة بتقديم استقالاتهم؛ بهدف عمل فراغ دستوري؛ ليضعوا السادات في مأزق يُضطر بعده للرضوخ لهم، وقد فعلوا ذلك في 15 مايو، أي بعد الجلسة بـ 11 يومًا، لكن العرّاف لم ينفعهم، وأصدر (السادات ) قرارًا باعتقالهم، وبرر ذلك بعبارته الشهيرة: “دول المفروض يتحاكموا بتهمة الغباء السياسيّ “!

يُمكن تعريف (الغبي سياسيًا ) بأنه: الشخص المغرور برأيه والرافض لقبول النصيحة، علاوة على أنه غير قادر على تسيير أمور الناس ورعاية مصالحهم؛ لعدم إلمامه بكل شيء يجري حوله، مما يترتب عليه قيامه بتصرف يتسم بالغباء، بينما يظن هو أنه الخيار الأفضل.

2- تُراثٌ من الغباء

(بيبي الثاني ) هو أول حاكم غبيّ عرفَه التاريخ؛ فقد اعتلى العرش وعمره ست سنوات، واستمر في السطلة 94 عامًا، وعَرفتْ (مصر ) في عهده الفساد والانحلال، ومات الناس جوعًا، وعجزوا عن دفن موتاهم، وانضم إليه الكهنة حرصًا على أوقافهم؛ يبيحون له – بفتاواهم الكاذبة – كل منكر، وكلما قَصدهم مظلوم طالبوه بالطاعة، ووعدوه بحسن الجزاء في العالم الآخر، لكن عندما بلغ اليأس غايته، خرج رجلٌ يُدعى (أبنوم ) يحرِّض الناس على الثورة ضد الظلم، واستجاب له الناس وقام الشعب المصريّ بأول ثورة عرفها التاريخ، وانهارت إمبراطورية (بيبي ) وسقطت الأسرة السادسة.

الأنظمة الساقطة في تاريخ الفراعنة بعضها كان مستبدًّا، وبعضها كان ضعيفًا؛ لكن الثابت الوحيد، أن هذه الأنظمة أو الدول قد وصلت إلى خط النهاية عندما بلغ الغباء السياسي مداه والضعف منتهاه، وهذا ما حصل مع (توت عنخ آمون ) الذي تولى الحكم لمدة ست سنوات فقط، وكان في مرحلة الطفولة، ومات قبل أن يصل إلى مرحلة الشباب، وكانت السلطات كلها في يد الكهنة، ولكن المدهش أن شهرته تجاوزت أعماله وقدراته ومدة حكمه، وقد حصل على تلك الشهرة بفضل اكتشاف مقبرته، وهي عادة (مصر ) – أم الدنيا والعجائب – التي قد تمنح الشهرة لعابري السبيل، بينما تضنُّ بها على العظماء الذين لم يتسع وقتهم لكتابة تاريخهم!

3- الخليفة (الحمار ) و (الحاكم )

أما الخليفة الحمار! – هكذا تجد اسمه في كل كتب التاريخ – ؛ فهو (مروان بن محمد )، آخر خُلفاء بني أمية، والذي تولى الحكم لمدة خمس سنوات فقط، وانهزم أمام العباسيين في معركة (الزّاب ) ، وهرب نحو الصعيد؛ فتعقبه عسكر بني العباس وقتلوه شر قتلة. لقد كان من عادة العرب أن يلقَّب كل مائة عام (حمار )؛ فلما قارب مُلك بني أمية مائة سنة وجاء (مروان )، لقبوه بالحمار؛ فقد اشتهر بالصبر على مواصلة القتال، ولكن هناك سببًا آخر جعل هذا الاسم مقترنًا به، وهو أنه حرّم لعب الشطرنج، ووضع ثلاث عقوبات لمن يمارسها، العقوبة الجسدية، وإطالة فترة سجن المحبوس، وحرمان من يلعبها من حقه في مال الدولة! وقد دفعه إلى ذلك أن أغلب الثوار على بني أمية كانوا يمارسون لعبة الشطرنج، بل إن (عبد الرحمن بن الأشعث ) الذي ثار على (عبد الملك بن مروان ) كان يستخدمها في إعداد خطط المواجهة والفرّ والكرّ.

وكان من أشهر من اتصف بالضعف والغباء (الحاكم بأمر الله ) الذي صعد إلى السلطة في مصر سنة 386هـ، وهو ما زال طفلًا في الحادية عشرة من عمره، وحرّم أكل (الملوخية )، وأمر الناس بالعمل ليل نهار. لقد كانت أمه شقيقة بطريرك أقباط مصر، وجن جنونه وهو يقبع في مغارة أعلى قمة جبل (المقطم )، وشعر بأن صوتًا يناديه ويدعوه إلى التوفيق بين دين النصارى ودين المسلمين، واستخراج دين جديد، وهداه تفكيره إلى أنه ما دام الدين واحدًا؛ فلماذا لا يتوحد جميع الأنبياء في واحد فقط؟ ولماذا لا يكون هو هذا النبي الواحد؟ ولكن (الحاكم ) مات وهو أعلى جبل المقطم، ولم يعثر أحد على جثته، ولم يُحسم شيءٌ مما قيل فيه سوى أنه كان حاكمًا جمع بين الضعف والغباء طوال 25 عامًا جلسَها فوق كرسيّ الحكم!

4- الخديوي (إسماعيل ) وابنه (توفيق )

في عهد (إسماعيل بن إبراهيم بن محمد علي ) قُدّرت ديون (مصر ) على أقل تقدير بنحو 91 مليون جنيه، وهو رقم كبير إذا ما عرفنا أن كل ميزانية الدولة كانت بين 4 و 6 ملايين جنيه؛ فقد أراد (إسماعيل ) أن يصنع لنفسه مجدًا، فأسس العديد من القصور، وأسرف في الحفلات الباذخة التي أقامها وأشهرها حفل افتتاح قناة السويس عام 1879م، وكذلك إنفاق ملايين الجنيهات لاسترضاء الباب العالي (الوالي العثمانيّ )؛ لتغيير نظام توارث العرش وجعله لابنه (توفيق ) بدلًا من أخيه، وكذلك دفع العديد من الهدايا والمنح لشراء لقب (خديوي ).

لقد وضع الخديوي (إسماعيل ) (مصر ) على أول طريق الاستعمار بإغراقها في الديون، وهو الطريق الذي استكمله نجله (توفيق ) بحماقة منقطعة النظير؛ فلم يستجب لمطالب (عرابي ) واستعان بالإنجليز، وسرّح الجيش المصري في 19 سبتمبر 1882م، وعهد إلى قائد إنجليزي بمهمة إعادة إنشاء الجيش المصري؛ فقام بتقليص عدد أفراد الجيش إلى 3 آلاف مقاتل، وأغلقَ تسع مدارس حربية من عشر مدارس، كما أغلقَ الترسانة البحرية بالإسكندرية، وكذلك كل مصانع المدافع والذخيرة التي أقامها (محمد عليّ ).

5- التعليم ودوره في صناعة الغبي!

ما حدث في الفترة من يوليو 1952 وحتى يومنا، هو أن التعليم صار قضية (أمن قومي ) ؛ فتم حذف اسم (محمد نجيب ) طوال فترتي حكم (ناصر ) و (السادات )، وبدلًا من أن تتم الاستعانة بعمداء الكليات كخبراء في التعليم تمت الاستعانة بعمداء الشرطة؛ فأصبح من ضمن أدواره ترشيح مديري المديريات التعليمية، والتوقيع على أسماء المدرسين الجدد، والإسهام في اختيار أسماء المدارس؛ لذا كان من المنطقي أن نجد 880 مدرسة تحمل أسماء رؤساء مصر وعائلاتهم، 499 منها لعائلة (مبارك ).

في عام 1978م اجتمع (السادات ) بوزير التعليم وقتها (مصطفى كمال حلمي )، وقال له: “الناس غضبانة في الشوارع، أنا عاوزهم ينبسطوا في امتحانات الثانوية، نجَّحْ الولاد يا مصطفى “. ومنذ ذلك اليوم ظلت نسبة النجاح في الثانوية تتراوح بين 82% و 88% بغض النظر عن تفاوت مستويات الطلاب من سنة إلى أخرى. من هنا لم تعد هناك قيمة للعلم، وحرصت الأنظمة – على اختلاف توجهاتها – أن تكون مناهج التعليم خالية من الإبداع، وتساهم في خفض معدلات الذكاء ونشر الخرافات بين خريجي المدارس والجامعات، وأراد النظام من وراء ذلك أن تخلّده هذه الأكاذيب التي في الكتب.

لقد ساهم التعليم في التجهيل بعد أن أكدت الإحصائيات الرسمية لوزارة التربية والتعليم أن 30% من تلاميذ المدارس الابتدائية والإعدادية لا يجيدون القراءة والكتابة، وحتى من حصلوا على الشهادات الجامعية لا يدركون ما يجري حولهم!

6- كيف يساهم الإعلام في صناعة الغباء؟

إعلام الغبي يشبهه؛ فهو يفكر بلسانه لا بعقله، ويصدّق الأكاذيب ويكذّب الحقائق؛ فالحاكم الغبي يستمد قوّته وجبروته بفضل إعلام أغبى منه، يقوده الحمقى الذين يستخدمون كلمات لا يفهمون معانيها. حين قال (جوبلز ) – وزير الدعايا النازية -: “أعطني إعلامًا بلا ضمير، أُعطِك شعبًا بلا وعي “، لم يكن يتصور أن يكون هناك إعلامًا بلا عقل يفخر بغبائه لينفي عن نفسه تهمة النفاق.

تشكّل أجهزة الدعايا والإعلام جناحًا لدى السلطة يضمن بقاءها؛ لذا تلجأ هذه الأجهزة لتزييف الوعي بالمبالغة في إظهار إنجازات السلطة، وتبرير أفعالها وتحويل هزائمها إلى انتصارات تاريخية، كما تضع صور وتماثيل رموز السلطة في كل مكان، وهو ما يسمى في علم النفس (الإعلان بالغَمْر ). تلجأ كذلك هذه الأجهزة للادّعاء؛ فتنسب للحاكم أفعالًا لم يفعلها، وتمنَحه بطولاتٍ لم يحصل عليها، غير أن هذا التزييف والادّعاء يتراكمان فيحجبان الحقيقة عن السلطة وعن الجماهير؛ فيجد الناس أنفسهم في حالة من الاضطراب والتناقض نتيجة لحالة الخداع التي تعرضوا لها، تدفعهم للغضب ومن ثم تحدث الانتفاضة أو الانفجار.

7- الأعوان الفَجَرة وعلماء السلطان

الحاكم الذي يظل في الحكم لفترة طويله رغم حماقته، لا بد أن يكون له رجال على درجة عالية من الذكاء كي يحسّنوا صورته؛ فيؤمِّنوا له البقاء؛ وبالتالي يحفظون مواقعهم، ويضمنون لأنفسهم الاستمرار والاستقرار فوق كرسي السلطة. قاعدة واحدة يستخدمها هؤلاء الأعوان ويسعون لترسيخها واستمرارها والدفاع عنها (النفاق أساس الحكم ).

وأكبر خدمة وهدية يقدّمها من يرتدون عباءة الدين إلى النُّظم الغبية والقمعية أن يشغلوا الناس بِتَوَافِه الأمور، ويبعدوهم عن القضايا الكبرى؛ حتى يصير المجتمع تافهًا وغبيًّا ومغيّبًا مثل من يحكمه؛ فتكثر الفتاوى الغريبة، مثل الفتوى التي أصدرها أحد الشيوخ بحرمة ملامسة الفتيات لبعض أنواع الخضروات والفواكه كالموز والخيار، بدعوى أنها ربما تؤدي إلى إغوائهن؛ فلم يصل حاكم لحد الغباء إلا إذا كان بصحبته رجلٌ يرتدي عباءة الدين يروّج لخرافاته، ويخلع عليه صفة القداسة، ولكن التاريخ لا يذكر هؤلاء وإنما يتذكر فقط العظماء أمثال الشيخ (محمد عبده )، والشيخ (جمال الدين الأفغاني ) – رحمهما الله – وندعو الله أن يرحمنا من الأدعياء الحمقى!

8- كيف يصل الغبيّ إلى كرسيّ الحكم؟

هناك أربع طرق تاريخية شهيرة، يمكن أن يصل بها غبيّ أو مُتَغَابٍ إلى كرسي الحكم، أولها: التوريث، سواء المباشر كما في النظام الملكيّ، أو غير المباشر كما في النظام الجمهوري؛ حيث يختار رجال الرئيس الذين يرون أن مصلحتهم تقتضي أن يصبح نجل الرئيس المتوفّي رئيسًا بتزيف إرادة الشعب وتزوير الانتخابات. ثانيها: أن يكون الغبيّ نائبًا للرئيس، وهذا ما حدث عندما قام القائد العظيم (صلاح الدين الأيوبي ) باختيار (العزيز بالله ) كي يخلفه على العرش؛ ولكن خليفته أباح الدعارة وتدخين الحشيش، وتفرغ للنساء.

ثالث هذه الطرق: بعد ثورة لم تكتمل؛ فيظهر شخص لا يمتلك أي مواهب أو قدرات سوى أنه صاحب خلفية عسكرية؛ فيُوافَق عليه طلبًا للأمن والأمان، وبعد فترة يكتشفون أنه كان أمانًا وهميًا وواهيًا. رابع هذه الطرق: الرحيل المفاجئ للرئيس، وهنا يخرج من الكواليس فجأة شخص لا أحد يستشعر الغدر نحوه، بل يظن الجميع أنه غبيّ ويسهل السيطرة عليه، كما حدث مع (مبارك ) الذي كان نائبًا للسادات، وكان (السادات ) يرى فيه صورة الموظف الذي ينفذ أوامره دون نقاش!

9- استثمار الغباء!

كان (إسماعيل ياسين ) أو (سُـمْعَة ) هو كوميديان نظام (عبد الناصر )؛ فقد قدّم ستة أفلام حاولت الدولة استغلال نجاحها في دفع الشباب إلى التطوع في أسلحة الجيش المختلفة، بل إنها أسهمت في إنتاج وترويج هذه الأفلام لدرجة أن الرئيس (عبد الناصر ) حضر بنفسه حفل افتتاح فيلم (إسماعيل يس في الجيش ) سنة 1955م، أي بعد أقل من عام واحد فقط من رئاسته. الأفلام الستة لـ (سُـمْعَة ) كانت فكرتها واحدة سواء في الجيش أو الطيران أو الأسطول أو البوليس الحربي؛ فقد كان البطل دائمًا شابًا يتسم بالسذاجة المفرطة، لكن بعد نجاحه في سلاحه ومهمته يصبح ذكيًا وفاعلًا في مجتمعه ووطنه، صورة الغبي كانت حاضرة في أفلام (سُـمْعَة )، وبها صنع أسطورته التي أحسن النظام السياسي استغلالها؛ فأفلام (سُـمْعَة ) من أقرب الأفلام للجمهور، وتعلق الجميع بها دون أن يفكر أحد في الهدف الذي من أجله تم عمل هذه الأفلام.

النظام السياسي كان ذكيًّا في استخدام صورة الغبي؛ لتمرير أفكاره عن طريق واحد من أشهر الـمُضحكين في تاريخ السينما، بل إن عبد الناصر شخصيًّا كان يقدّر (سُـمْعَة )، ويحرص على مشاهدة فيلم له يوم الجمعة أسبوعيًّا مهما كانت الظروف، وكذلك كلفه بلقاء المشير (السلال ) رئيس (اليمن ) الذي كان يُعالَج في (الإسكندرية )، وجاءه ضابط ناقلًا له رسالة من (عبد الناصر )، وقبل أن يكمل جملته: “الرئيس يرجو أن … “، رد عليه (إسماعيل): “الرئيس يرجوني! يا خبر أسود! أنا أروح عريان ملط يا راجل! ” وذهب (إسماعيل ) للمشير حتى تم شفاؤه.

أما في الفترة الأخيرة؛ فقد اجتاحت السينما موجة من الأفلام الخرقاء، خدمت النظام دون أن تدري؛ بتقديم أدوار ساذجة أسهمت في انحطاط الذوق العام، لعب بطولاتها أقزام عاطلون، حوَّلتهم فلوس الإعلانات إلى سلعة رائجة، على الرغم من زيفها؛ فإنها تطرد العملة الجيدة من السوق.

10- ذروة الغباء السياسي: العسكري رئيسًا!

آفة الرجل العسكري أنه يظن أن كل كلمة تخرج من فمه بمثابة أمر واجب النفاذ، وأن على الجميع السمع والطاعة، وأن على من يخالف رأيه أن يتحمل نتيجة مخالفته للقوانين؛ فهي مدرسة “اربط الحمار مطرح ما يعوز صاحبه “، وهي سياسة قابلة للتطبيق داخل المعسكرات التي تتصدرها لافتة “ممنوع الاقتراب أو التصوير “، ولا يمكن القبول بها إلا على الأوراق التي تحمل ختم “سري للغاية “؛ لذا حين يخرج العسكري من معسكره يجد نفسه غريبًا!

حُكم العسكر يقوم على أعمدة أساسية هي: بثّ الذعر والرعب في المجتمع طول الوقت؛ فهو نظام يقايض حرية المواطن بأَمْنه، وكذلك اتهام المختلفين معه بالعمالة والخيانة، واحتكار صكوك الوطنية وتوزيعها على الموالين له فقط، وآخر هذه الأعمدة هي التعبئة والحشد؛ عن طريق الاعتماد على إعلام غوغائي أجير، يكرر ما يقوله الحاكم على الناس؛ حتى يقودهم كالقطعان وراءه دون تفكير أو مناقشة.

ولكن لا يمكن أن نضع العسكريين كلهم في سلة واحدة، ولا يمكن إصدار حكم واحد عليهم؛ فقد عاشت (مصر ) طوال 60 عامًا تحت حكم العسكر، عرفت خلالها رئيسًا ذكيًا ورجاله أغبياء، ورئيسًا متغابيًا، ورئيسًا غبيًا، – هذا إذا استثنينا (محمد نجيب ) لقصر المدة؛ ولأنه كان يملك ولا يحكم – أو كما قال (سعيد صالح ) في مسرحية (كعبلون ): “أمي اتجوزت 3 مرات: الأول أكلنا المشّ، والتاني علّمنا الغشّ، والتالت لا بيهشّ ولا بينشّ “!

11- التحليل النفسي للغبي والنُّكتة السياسية

يُحدد الدكتور (محمد المهدي ) أستاذ الطب النفسي بعضًا من أمراض السلطة، يُعتبرَ الغباء السياسي سببًا في حدوثها وهي:

1 – الهاجس الأمني؛ لذا تتخذ السلطات احتياطات أمنية كثيرة ومبالغًا فيها.

2 – العُزلة وافتقاد الحياة الطبيعية؛ فكل تعاملاته مع الناس تحدث من وراء ستار؛ فهي تعاملات غير حقيقية وغير صادقة.

3 – تضخُّم الذات وإدمان السلطة والعناد والتّأله الذي عبّر فرعون عنه صراحة: “ما علمت لكم من إله غيري “.

4 – الجمود والإفلاس الذي يدفع صاحب السلطة من وقت لآخر لإجراء تغييرات سطحية وهامشية.

5 – الشيخوخة التي تسعى إلى تكبيل حركة المجتمع وضبط إيقاعه بما يتناسب مع الإيقاع البطيء لصاحب السلطة.

6 – وآخر هذه الأمراض عبادة الأبناء، والسعي نحو توريثهم .

والنُّكته كانت دائمًا بمثابة التأريخ الشعبي للغباء والاستبداد، وهي التدوين لمعاناة البسطاء، وهي (مصر ) من الباب الخلفيّ. وجد العوام في النُّكتة ضالّتهم؛ فحافظوا عليها جيلًا بعد جيل، واعتبروها ميراثهم الحقيقي، وأغلب رؤساء مصر كانوا ينتظرون سماع (آخر نكتة ) ليعرفوا آراء الناس دون رقيب؛ فعددٌ كبير من رجال (عبد الناصر ) كانوا من الملهمين لمؤلفي النُّكت، من بينهم (صلاح نصر ) مدير المخابرات العامة الأسبق، قيل عنه: “إن (ناصر ) كان في منطقة الأهرامات، فوجد تمثالًا ضخمًا سأل عن اسمه فلم يعرفه أحد؛ فاتصل (ناصر ) بـ (صلاح نصر )، وسأله عن اسم التمثال؛ فاستأذنه في نصف ساعة، ثم رد عليه وقال: “يا ريس التمثال اسمه (أبو الهول ) “؛ فقال له (ناصر ): “وعرفت إزايّ؟ “؛ فأجاب: “التمثال اعترف يا ريس! “.

12- الغباء الأمني

في يوم السادس من يونيو عام 2010م، الذكرى الثالثة والأربعين للنكسة، لكن السادس هو دائمًا يوم النصر، شابٌ عمره ثمانية وعشرون عامًا يرحل عن الحياة بعد ضربات من كل حدب وصوب من اثنين من المخبرين، بعد رفضه التفتيش بموجب قانون الطوارئ. ثلاثة أيام فقط عرفت بعدها (مصر ) اسم هذا الشهيد، إنه (خالد سعيد ) الذي كانت يقظة مصر يوم وفاته، في التاسع من يونيو كانت قصته في مكان، ولكن في اليوم التالي كانت الحماقة في قمتها؛ فتم إخلاء سبيل المتهمين، لتشهد (الإسكندرية ) موجة من الاحتجاجات، ويصل الغباء مداه في 23 يونيه بإعلان المحامي العام لنيابة استئناف (الإسكندرية ) في مؤتمر صحفي أن سبب الوفاة كان “الاختناق بانسداد المسالك الهوائية بجسم غريب؛ عبارة عن لفافة بلاستيك تحوي نبات البانجو الـمُخدّر “، وقرروا التحقيق مع أسرة (خالد ) بتهمة البلاغ الكاذب!

يوم الجمعة 25 يونيو 2010، كانت أول (جمعة غضب ) يعرفها الشعب المصري قبل سبعة أشهر فقط من ثورة يناير، كانت هي الشرارة والبشارة الأولى للثورة، لكن الغباء الأمني لم يقف عند هذا الحد؛ بل إنه صار في كامل قوته وسطوته أثناء الثورة وطول الفترة الانتقامية – أقصد الانتقالية – التي ظننا لهول ما مورس فيها أنها تعني أن ينتقل الثوار خلالها إلى الرفيق الأعلى، وكأن تاريخنا كله محنة، وأيامنا كُلها كربلاء.

الأمن في (مصر ) دائمًا هو الحاكم، والعقل المفكر، والحل الجاهز والاختيار الأول في كل الأزمات؛ فلم يعرف رجال الحُكم سواه في مواجهة الجماهير الغاضبة، ولم يتعلم رجال الأمن طريقة لمواجهة الاحتجاجات سوى الغاز والرصاص الذي يجبر أي متحدثٍ على الصمت الطويل. لقد كانت السلطة دائمًا في مصر تتركز في يدي (فرد ) واحدٍ يفعل ما يشاء دون حساب؛ وبالتالي يصبح (فرضًا ) على الجميع أن يتبعوه ويشيدوا بحكمه، وإلا صاروا خارجين عن القانون، ولو وضعنا كل أشكال الغباء في كفة، والغباء الأمني في كفة، لرجحت كفة الغباء الأمني، وانكسر الميزان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

19 − ثمانية =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube