https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

العالم العربي وسايكس بيكو جديد

المؤلف: أمير نور

أضحت التفاعلات الكبيرة الحاصلة على مستوى العلاقات الدولية بشأن الصراع أو بالأحرى الصراعات والنزاعات الدائرة في منطقة الشرق الأوسط -بعد أن اتخذت أشكالا مسلحة في كثير من الأحيان- نذر سحب تتلبد في سماء المنطقة وتوحي بأن طوفانا قادما سيعيد رسم خريطة المنطقة وفقا لحسابات ومصالح دولية.

ومثلما حدد اتفاق “سايكس بيكو” معالم وحدود خريطة العالم العربي بشكله الحالي، فإن طبعة جديدة لتلك الخريطة قد ترى النور في المدى المنظور، لكنها بالتأكيد ستكون مختلفة تماما شكلا ومضمونا عن طبعة عام 1916 التي ألفها وأخرجها الثنائي الفرنسي البريطاني.

هذا ما ذهب إليه بتحليل معمق واستقراء مستفيض كتاب أصدره الباحث الجزائري المختص في العلاقات الدولية أمير نور بعنوان “العالم العربي على موعد مع سايكس بيكو جديد” (دار عالم الأفكار)، وقد جاء معززا بكثير من الشواهد واقفا عند كثير من آراء كبار الساسة والدبلوماسيين والإستراتيجيين الدوليين بمختلف مشاربهم وتوجهاتهم الفكرية.

وقدم للكتاب أحمد طالب الإبراهيمي (1) الذي قال إن اتفاقية سايكس بيكو المشؤومة، التي مر عليها مائة عام هدفت من خلال القوى الاستعمارية للقضاء على الخلافة الإسلامية، عن طريق اللعب على وتر الشعور القومي العربي.

وأشار إلى أن سايكس بيكو اليوم تريد بها القوى ذاتها، وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل، ضرب الكيان العربي الإسلامي والاستحواذ على ثرواته، بالعمل على تقسيم المُقَسَّم وتجزئة المُجَزَّأ، وإشعال النَّعرات الأثنية والعرقية والدينية أو تعميقها داخل الدّول المُكوِّنةِ له.

مؤامرات رهيبة

ونبه الإبراهيمي إلى أنه “على المسلمين والعرب اليوم أكثر من أيِّ وقت مضى، أن يَعُوا ما يُحاكُ لهم من مخطّطات ومؤامرات رهيبة قائمة على إذكاء نار الفتنة بين أبناء الأمّة الواحدة من سُنّة وشيعة وعرب وأكراد وعرب وبربر ومسلمين ومسيحيِّين.

وأكد الإبراهيمي أنه “لا يمكن في هذا السّبيل، مع الأسف، التعويل على جامعة الدّول العربيّة وهي في حالةِ انقسام وتشرذم لا سابق لها؛ فلا هي تستجيب لتطلعات شعوبها، ولا هي قادرة على التصدّي لتهديدات وغطرسة أعدائها. وخير دليل على ذلك ما تعاني منه قضيّة العرب والمسلمين المركزيّة، قضية فلسطين السَّليبة“.

أحمد طالب الإبراهيمي:

على المسلمين والعرب اليوم أكثر من أيِّ وقت مضى، أن يَعُوا ما يُحاكُ لهم من مخطّطات ومؤامرات رهيبة قائمة على إذكاء نار الفتنة بين أبناء الأمّة الواحدة من سُنّة وشيعة وعرب وأكراد وعرب وبربر ومسلمين ومسيحيِّين.

واعتمد الكاتب على المنهج العلمي من حيث طرح الفرضيات للتأكد من صحتها ونتائجها عبر الاستقراء التاريخي والواقعي وربط الأقوال بالأفعال والأحداث، حيث نجده ينطلق من فرضيات ثلاث يحاول من خلالها طرح مختلف التصورات واستخلاص النتائج وهي:

من نتائج نهاية الحرب الباردة بروز عاملين أساسيين على المستوى الدولي: تكريس هيمنة الولايات المتحدة على المستوى الدولي عسكريا وسياسيا واقتصاديا وتكنولوجيا. وأيضا انتقال مركز ثقل الاقتصاد والتجارة العالميين من أوروبا إلى المحيط الهادي مع بروز الصين كقوة اقتصادية عالمية، لكن موقع الولايات المتحدة بين المحيطين الأطلسي والهادي رشحها للعب الأدوار الأولى في مستهل القرن الحالي.

تقلبات “الربيع العربي”، والمناورات العسكرية السياسية في منطقة بحر الصين الشرقية والجنوبية وتطورات الأزمة الأوكرانية؛ عبرت كلها عن تحول استراتيجي نحو تشكيل عالم متعدد الأقطاب لم يَرُقْ لدعاة تأبيد السيطرة الغربية على العالم.

في النصف الأول من القرن الواحد والعشرين ستبرز نزعتان متضاربتان: الأولى تتمثل في محاولات متذبذبة من قبل قوى ثانوية تسعى لإنشاء تحالفات قصد احتواء الهيمنة الأمريكية، أما الثانية فتتمثل في إجراءات وقائية تقوم بها الولايات المتحدة لإفشال كل ما من شأنه أن يهدد مصالحها.

هجمات ال 11 سبتمبر أعطت الولايات المتحدة ذريعة لتفعيل إستراتيجية الهيمنة على العالم الإسلامي الذي تعده عدوا محتملا يتوجب إضعافه.

ويرى الكتاب أن اجتياح أفغانستان عام 2001 والعراق عام 2003 بدأ يرسم في الأفق ملامح “سايكس بيكو” جديدا بالمنطقة، مع الفرق أن الاتفاقيات الفرنسية البريطانية رمت إلى ” تسهيل إنشاء دولة أو كونفدرالية دول عربية” أما الهدف الآن فهو تفكيك الدول القائمة وتعميق الفروق العرقية والدينية، وهو ما سيمكن الولايات المتحدة من تحقيق أهداف ثلاث: تأمين مصالحها الإستراتيجية في المنطقة، وتعزيز مكانة حليفتها إسرائيل، وإعادة توحيد طاقاتها وإمكاناتها نحو أهم منطقة في العالم؛ آسيا والمحيط الهادي.

يعود الكاتب أمير نور إلى جذور الضياع في العالمين العربي والإسلامي مستشهدا بآراء المفكر الجزائري مالك بن نبي (2) الذي توقع الفوضى التي حلت بالمجتمعات الإسلامية في كتابه “الفكرة الآفرو-آسيوية” وحلل حالة الانحطاط التي يعيشها العالم الإسلامي منذ سقوط دولة الموحدين في كتابه “وجهة العالم الإسلامي“.

رؤية أخرى

واعتبر بن نبي أن مأساة العالم الإسلامي ما زالت تتكرر إلى أيامنا هذه، وهي تتجسد في إنسان ما بعد الموحدين “الذي يتحدى الزمن على أنه إحدى رواسب التاريخ الضارة التي يستحيل القضاء عليها، فمعضلة المضلات تظل دون شك مشكلة الإنسان، وهي ليست بحديثة العهد“.

وينتقل الكاتب أمير نور ليعطينا رؤية أخرى لما يحدث لكن هذه المرة من زاوية غربية ومع شخصية سياسية تابعت ورافقت الكثير من التحولات في الشرق الأوسط، وهو اللورد لوذيان (3) الذي نشر مقالا مهمّا بعنوان “كيف خسر الغرب الشرق الأوسط” (4) وعرض الكاتب حوارا مطولا أجراه معه سبر فيه غور الأحداث الدائرة في المنطقة ومآلتها وفقا لموازين القوى الفاعلة.

ويرى اللورد لوذيان كخلاصة تاريخية أن “من الحقائق المحزنة أن فراغ السلطة في الشرق الأوسط غداة انهيار الإمبراطورية العثمانية أعطى للغرب فرصة حقيقية ليصبح صديقا حقيقيا للأمة العربية، وليصبح أيضا قوة خير وازدهار في المنطقة بأسرها، لكننا عوض ذلك سعينا لتدمير هذه الأمة من البداية ونحن اليوم ندفع الثمن“.

ويذهب اللورد البريطاني إلى أبعد من ذلك عندما يرى بأن الجشع والاستغلال كانا دافعا السياسة الغربية في المنطقة، إذ “في أغلب فترات القرن العشرين كانت مصلحة العالم الغربي في الشرق الأوسط لصيقة بالبترول، تلك المادة النفيسة المحركة للتقدم الغربي والتي كانت أغلب المنطقة تمتلكها بكميات معتبرة“.

يستحضر الكتاب في مجمله المشهد العالمي بكل تداعياته الاقتصادية (أزمة 2007-2008)، وصراع النفوذ بين القوى العظمى والقوى الصاعدة، وكيف يمكن أن تؤثر كل هذه التحولات على المنطقة العربية التي أصبحت ساحة مفتوحة للتدخلات الغربية في ظل ضعف وتشظّ عربي شديد وانقسام عرقي ومذهبي وطائفي غير مسبوق يجعل مستقبل المنطقة رهينا للسياسات الغربية، لتعيد إنتاج خريطة أخرى تحددها القوى الغربية تبعا لأهدافها ومصالحها

عرض: حاتم غندير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

1 × واحد =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube