في السنتين الاخيرتين انتهزت كل من الصين وروسيا انشطة تبادل تنظيم ” السنة الوطنية ” ، لتدفعا بالتعاون الشامل بينهما وفي شتى المجالات ، خاصة التعاون والتنسيق الإستراتيجيين في الشؤون الإقليمية والدولية ، بما يضمن سير العلاقات الثنائية بخطى ثابتة نحو الافضل .. ففي الوقت الذي يشعر فيه الجميع بالبهجة والارتياح تجاه الوضع القائم للعلاقة الصينية الروسية ، يتواصل سماع اصوات ” نظرية التهديد الصيني ” في روسيا .. فقد ذهب اناتولي تسيجيانوك خبير مركز لتحليل العسكري الروسي الى حد القول ” مقارنة مع الولايات المتحدة وحلف الناتو ، لا شك من أن لدى الصين مسببات وعوامل اكثر لتشكل تهديدا كامنا لوحدة الأراضي الروسية ” .. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ، لماذا يوجد أقلية من الروس الذين يعتبرون الصين ” خصما كامنا ” ؟ وكم يمكن ان يراهن على علاقة الشراكة الإستراتيجية الصينية الروسية ؟
ضجيج ” نظرية التهديد الصيني ” يتصاعد في روسيا
ادلى اناتولي تسيجيانوك في الحديث سابق الذكر خلال لقاء صحفي اجرته معه ” صحيفة رجال الاعمال ” في بداية اّب الماضي .. يعتقد المحللون أن هذا ليس حديثا منعزلا يمثل اناتولي فقط ، بل لازال ل”نظرية التهديد الصيني ” تأثيرا معينا في روسيا.. ولخشية روسيا الدائمة من اعادة الصين المطالبة من جديد في الاراضي البالغ مساحتها اكثر من مليون ونصف كلم مربع التى تنازلت عنها إلى روسيا القيصرية في العصر الحديث ، إضافة إلى وجود فترة غير مرضية من التاريخ في فترة الاتحاد السوفياتي ، فالاحاديث حول ” التوسع الصيني الصامت اقتصاديا وسكانيا ” لم تنته تماما في روسيا ..
ومع تقارب العلاقات الصينية الروسية راحت ” صحيفة الإستقلال” و” صحيفة الأخبار” وصحيفة رجال الاعمال ” و ” صحيفة الصباح ” وغيرها من الصحف الروسية ذات التأثير ، تركز اهتمامها وانظارها على الشأن الصيني ، والبعض من وسائل الاعلام الروسية بدأت تطبل وتزمر لما يسمى بـ ” نظرية التهديد الصيني “.
ففي نهاية العام الماضي اصدرت ” صحيفة الصباح ” الروسية مقالة تحت عنوان ” المخيف والمرعب من الصين هو عدم الاستطاعة التنبؤ بأخطارها ” ، وحذرت الحكومة الروسية قائلة ” من الناحية العسكرية ، على روسيا الحذر من جارها الشرقي ، وهذا محل استهانة الاستراتيجيين الروس ….. حيث لا زال الكثير من استراتيجيي بلادنا يركزون فقط على الشأن الامريكي ، في الواقع لا يوجد اي مسبب لخوض صراع مع الغرب ، كون الغرب يعرف حق المعرفة بأن اي نزاع يفتعل مع روسيا لن تكون نتائجه خيرة على الغرب “
” اذا ما امعنا البحث والتأمل نجد بان امريكا لم يسبق لها وان فكرت في توسيع اراضيها .. وان العمليات العسكرية المحدودة التي تقوم بها الولايات المتحدة في بعض المناطق والاقاليم ، ليست الا وسيلة من والوسائل التي تتخذها لحل بعض القضايا الجيوسياسية والاقتصادية .. لذا لا يوجد ابدا اي نية لدى الولايات المتحدة في الانتصار علينا ، وفي حال ما احدثت اي صدامات معنا فانها لن تقدر على تحمل ما قد تفرزه من عواقب و تخلفه من خسائر .. الولايات المتحدة ظلت تتخذ من الكبح كأساس لأستراتيجتها تجاه الجيش الروسي ، ولا تزال كذلك حتى الاّن ” أما حالة الصين فتختلف تماما ، حيث لا يمكن ان نعرف نوع العمل الذي ستقدم عليه الصين او الاجراءات التي ستتخذها .. . طبعا لا أرى أن صراعا او صدامات عسكرية ستحدث بين الصين وروسيا في المستقبل القريب ، الا ان احتمال وقوع صدامات عسكرية بين الصين وروسيا ، وفي اي حال من الاحوال ، اكثر بكثير من احتمال وقوع صدامات عسكرية بين روسيا وامريكا .. “
كما صرح اندريه بينياتوفسكي المدير التنفيذي لمركز موسكو للبحوث الإستراتيجية أن ” الصين لا تأخذ بعين الاعتبار بل ولا يهمها التحديث الاقتصادي والسياسي في روسيا ، بمقدار اهتمامها في ان تبقى روسيا مصدرا للمنتجات المعدنية والطاقة ، و” الخلفية الإستراتيجية ” الكبرى للصين في تحدياتها مع امريكا ؛ ونفس الشيء بالنسبة لمنظمة تعاون شنغهاي اذ تنظر الصين اليها كأداة لسياستها الاقليمية ، بحيث لن تتورع بالتضحية في روسيا مقابل ما يساعدها على تقوية تأثيراتها وسيطرتها على الموارد الطبيعية في آسيا الوسطى .. “
يرى نائب وزير الطاقة الروسي الاسبق فلاديمير ميلوف ،” انه في حال امتلاك الصين للتفوق البشري والسرعة المدهشة للتحديث العسكري، فمن المرجح ان تلجأ الى القوة العسكرية ضد روسيا عند اي نزاع يحدث بين الجانبين. “
الطبعة الروسية ل ” نظرية التهديد الصيني ” ذات مصدر امريكي ..
لماذا يطبل ويزمر ل ” نظرية التهديد الصيني ” في الفترة التي يطلق عليها قادة البلدين بـ ” أحسن فترة في التاريخ وأكثرها نتائج ” وليس في اي وقت آخر؟
أشار نائب رئيس مجلس الدوما الروسى السابق ميخائيل يوريوف في مقالة له حملتها صحيفة ((الجانب )) الاسبوعية الروسية تحت عنوان ” حقيقة نظرية التهديد الصيني وأسطورتها ” الى انه ” في حال ما تعقبنا وبحثنا عن جذور الأخبار المتعلقة بالتهديد الصيني لروسيا سنجد مصدرها واحدا فقط هو الادارة الاميركية “
وقد كشف باحثو شركة راند الأمريكية بأن وزارة الخارجية الاميركية تكاد تكون مع بداية تفكك الاتحاد السوفياتي القائد المباشر لروسيا ، وعملت منذ عام 1992 على نشر مخطط هادف بين الجماهير الروسية يفيد بان بكين عادت تشكل تهديدا استراتيجيا لموسكو ، واستهدف هذا المخطط الساسة إضافة إلى عامة الجماهير الروسية ..
” للصين اهداف لابتلاع الشرق الاقصى ، بحيث اصبح عدد الصينيين هناك أضعاف عدد الروس ؛ وترفض المحال والمطاعم الصينية استقبال الزبائن الروس ، والشركات الصينية هناك تقوم بشراء ومزاولة الاعمال التجارية بأموال الحكومة ؛ ويمكن شراء من المحال التجارية الصينية ، وحتى من المكتبات الصغيرة التي تبيع الكراسات المدرسية ، الخرائط التي تنسب سيبيريا والشرق الاقصى إلى الأراضى الصينية ” .. هذه الأحاديث المتداولة لا تأتي فقط على السنة المراسلين والخبراء الروس الذين يمكن شراء ضمائرهم بسهولة فقط ، بل احاديث يرددها بعض محافظي الولايات وعمدة المدن الروسية ..
كما تقوم امريكا عبر وسائل الاعلام الروسية بنشر ما يفيد بأن الصين لن ترضى فقط بالشرق الأقصى وسيبيريا الروسيتين ، بل تعمل على حكم العالم كله .. وتبث بان الصين تقوم بتهجير مواطنيها وزرعهم في كل بقاع المعمورة الارضية ، وان الصين تستعد لقهر ” الشماليات الثلاث ” أي الولايات المتحدة وحلف الناتو وروسيا ..
يرى يوريوف بأن الهدف الاساسي وراء صنع امريكا لاسطورة ” نظرية التهديد الصيني لروسيا ” الجديدة ، هو الاستعانة بأحد الاعداء لضرب عدو اّخر ..
إن هذه الأسطورة لا تضعف الدول المعادية وتفيد بشكل غير مباشر الذات الامريكي فحسب ، بل وايضا تخدم مباشرة المصالح الاميركية .. فمن حيث الشكل يمكن القول ، جعل الخصم يلهث متعبا هنا وهناك في اركان المعمورة ، ليعود ة لك في نهاية المطاف بالخير والمنفعة .. طبعا الغرب لن يستطيع النجاح والفلاح في كل مرة ، الا انه لم يسبق وان تخلى عن هذا السلاح السحري .. فكما هو الحال في الوقت الراهن ، اطلاقه لاسطورة ” نظرية التهديد الصيني لروسيا ” الجديدة ..
كلما ازداد التهديد الامريكي يزداد معه التقارب الصيني الروسي..
في مقالة فيديل كاسترو نشرتها ” صحيفة غرانما” اشار الى وجود عدو مشترك للصين وروسيا ، وقال بأن الاحمق فقط الذي لا يستطيع رؤية ذلك بجلاء ، ان العدو الاساسي لروسيا هو الغرب و أمريكا..
وقال كاسترو لا يريد الغرب ان يكسب شيء ما من روسيا ، بل يريدها ان لا تعود دولة متكاملة الوجود ، ولا يتورع في استخدام اي وسيلة ممكنة للوصول إلى هذا الهدف ــــ من تنظيم ودعم المعارضة الضارة للدولة إلى دعم الإنفصاليين والإرهابيين .. كما ان الصين تواجه نفس المشاكل ..
يرى الخبير الإستراتيجي الروسيديفياتوف أن” الصين وروسيا تواجههما حاليا مشكلة الضغوط الاميركية ” ، ” ان المشكلة الرئيسية للصين في علاقاتها مع امريكا ، هي ان امريكا تحترم الصين ولا تخاف منها ، يعنى في حال ما استجد اي حدث بينهما ، ستنقلب امريكا رأسا على عقب .. ” طالما خطت الصين الخطوة الاولى تجاه تمتعها بحق الريادة الحقيقية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ ( وهذا ما يزعزع الهيمنة الاميركية ) ، كفك ربط العملة المحلية الصينية الرينمينبي بالدولار الامريكي ، مما يجعل منها عملة إحتياطية إقليمية ، فستتضاعف على الفور الضغوط الاميركية .. وستكون الضغوط شاملة : تقييد صادرات الصين واستثماراتها في اوروبا وامريكا ، ورفع التوتر العسكري ومد تايوان بالسلاح ، والهجوم الهستيري على الاوضاع الديمقراطية وحقوق الانسان في الصين ، والمبادرة في دعم مختلف فصائل المعارضة وفي حال عدم وجود معارضة تعمل على خلقها ودعمه.
واكد ديفياتوف أن روسيا اليوم تواجه أيضا نفس هذه المشاكل : علي أمريكا أن تخشى روسيا وتخاف منها ( كونها تمتلك كمية كبيرة من الصواريخ البلستية الموجهة ) ، الا ان الواقع ليس كذلك .. بالنسبة إلى دولة كبيرة كروسيا ، عليها أن تتجه نحو آسيا وليس نحو أوروبا .. ” لا شك من أن أوروبا هي مركز الثقافة العالمية ، والمستهلك الرئيس للغاز والبترول الروسي ، لكن بالنسبة إلى روسيا فان اسيا اهم بكثير لها من اوروبا .. تستطيع آسيا من خلال منظمة التجارة العالمية الخاصة بها بما في ذلك منظمة تعاون شنغهاي ، أن تساعد موسكو على سرعة انضمامها الى منظمة التجارة العالمية .. “
ما زالت الصين وروسيا بحاجة الى إلى تعزيز أسس الثقة المتبادلة
على الصين وروسيا أن يكونا صديقين دائمين ام عدوين كامنين ؟ مثل هذا السؤال يجب ان لا يطرح من حيث الاساس .. ففي هذا الصدد أشار خبير الاستراتيجيات الدولية الصيني لوان جينغ خا قائلا ، من حيث الوقائع التاريخية ، لا يمكن للشعبين ضمان تسيير وتطوير شؤونهما بيسر وسلاسة ، الا اذا كانا صديقين ، ومن حيث العوامل الجغرافية ، تمتد الحدود الفاصلة بين البلدين الى اكثر من 4300 كيلومتر ، وهذا ما يفرض على الطرفين بان يكونا ” جارين حميمين وشريكين مخلصين “
بينما اعرب خبير الشؤون الصينية الروسي كي جيما قائلا أن الكثير من الروس لا زالوا ينظرون الى الصينيين بنظرات قديمة ، وضرب هذا الخبير مثل الظهور المستمر لمقولة التوسع الصيني باتجاه روسيا ، وزحف المهاجرين الصينيين نحو منطقة الشرق الأقصى في وسائل الاعلام الروسية ، وتنافلها على شكل التهويل والتهويش المبالغ فيه لزيادة مدى تأثيرها في الرأي العام الروسي ..
حذر كي جيما الروس قائلا ” ما دام هناك اقاويل واحاديث مضخمة حول توسع الصين وتهديداتها ، يعني ذلك وجود بعض الناس الذين يحتاجون الى خلق مثل تلك الاوضاع التي تخدم مصالحهم ، وتساعدهم على انجاز مهام وماّرب محددة .. ” ، ودعا الروس الى تغيير مشاعرهم و نظراتهم القديمة عند التعامل مع المسائل والشؤون الصينية
صحيفة المعارف