https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

بعدما اضطر الرئيس الصيني شي جينبنغ لإلغاء رحلته إلى باكستان في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي بسبب الاحتجاجات التي قادها عمران خان ضد الحكومة، وقعت الزيارة في 20 من الشهر الحالي، وتخللها 51 مذكرة تفاهم تتعلق بجوانب مختلفة للعلاقات بين البلدين، أهمها «الممر الاقتصادي ما بين الصين وباكستان» بتكلفة 46 مليار دولار، تقوم بموجبه الصين بشق الطرق السريعة، والسكك الحديدية، والكهرباء، وخطوط الأنابيب، وذلك من أجل إنشاء الطريق التجاري من مدينة «كاشغار» غرب الصين الذي سيمتد حتى ميناء «غوادار» جنوب باكستان على بحر العرب في مقاطعة بلوشستان القريبة من الحدود الإيرانية – الباكستانية، على أن يلتف بعدها إلى «شنجيانغ» شمال غربي الصين. والمفروض أن يستفيد أفقر إقليم في باكستان اقتصاديا من هذا المشروع الذي سيعطي الصين منفذا إلى المحيط الهندي والشرق الأوسط في حين، يصل المدن الباكستانية فيما بينها.
التوقع أن يكتمل المشروع مع بدء عام 2030. وعند انتهائه من المحتمل أن يغير وبشكل جذري الخريطة التجارية والاقتصادية وشبكة الطاقة لجنوب آسيا. الصفقة التجارية جزء من طموح الصين في استراتيجية «طريق الحرير الجديد»، من أجل خلق ممر اقتصادي يربط غرب الصين بجنوب آسيا والشرق الأوسط.
اقترحت الصين أيضا ممرات اقتصادية إلى المحيط الهندي عبر الهند وميانمار (بورما). بالمنظور الهندي، مسألة أن يعبر الطريق الجديد الجزء من كشمير الواقع تحت السيطرة الباكستانية، تثير قلقا بالغا نظرا للصبغة السياسية التي سترتبط بالاستثمار الصيني، ومن المؤكد أن هذا سيطرح في لقاءات ناراندرا مودي رئيس الوزراء الهندي خلال زيارته إلى الصين الشهر المقبل. هناك نزاع إقليمي لا يزال يخيم على العلاقات الصينية – الهندية وكون باكستان تنازلت من جانب واحد، عن أجزاء من الدولة المركبة «جامو وكشمير» للصين عام 1963 زاد من استعصاء هذه المسألة.
قبل زيارة شي إلى إسلام آباد، نقلت صحيفة «الشعب» الصينية الحكومية «صيحات» من الشارع الباكستاني: «مستعدون أن نتخلى عن الذهب ولا نتخلى عن الصداقة الصينية – الباكستانية». وكتب المعلق السياسي الباكستاني محمد عمر: إن باكستان تعتبر الصين حليفها الوحيد. أما مسعود خان السفير الباكستاني لدى الصين فوصف العلاقات بأنها «أعلى من الجبال، وأعمق من المحيطات وأقوى من الفولاذ، وأغلى من البصر وأحلى من العسل» وأشار الرئيس الصيني إلى باكستان بأنها «بيت أخيه».
ما يتبادله المسؤولون في البلدين، لا يعكس حقيقة مشاعر القاعدة الشعبية؛ إذ بينما ينظر أغلبية الباكستانيين بشكل إيجابي إلى الصين، فإن الصينيين لا ينظرون هكذا إلى باكستان. يعترفون بالعلاقات الوثيقة، إنما يرون باكستان بأنها عنيفة، مليئة بالفوضى، وتحكم بضعف. تشترك باكستان بـ372 ميلا من الحدود مع «شنجيانغ» المنطقة الواقعة شمال غربي الصين، وهي موطن 10 ملايين «أوغور» من الأقلية المسلمة الناطقة بالتركية، ويتفشى فيها العنف بين «الأوغور» وأغلبية «الهان».
في أغسطس (آب) 2011 اتهم مسؤولو إقليم «كاشغار» جنوب «شنجيانغ» الانفصاليين «الأوغور» بأنهم تدربوا في باكستان، وضغط المسؤولون الصينيون على باكستان لتطرد الانفصاليين «الأوغور» الذين ينشطون لديها. وتقول باكستان إن الصين دعمت دائما مواقفها في كشمير، كما أنها، أي باكستان، تدعم الصين في مواقفها في التيبت، وتايوان وشنجيانغ. إن أكبر الخلافات المحيطة بـ«الممر الاقتصادي ما بين الصين وباكستان» محلية باكستانية. بدأ الخلاف حول الطريق الذي سيسلكه الممر. حتى الآن نقطة الاتفاق الوحيدة أنه يجب أن ينطلق من «كاشغار» حتى «غوادار». ورغم أن مسؤولي المقاطعات الغربية الفقيرة في باكستان: «خيبر – باختونخوا» و«بلوشستان» توقعوا مرور الطريق في مقاطعاتهم، يبدو في نهاية المطاف أنه سينحرف شرقا ويعبر «البنجاب» الأكثر ازدهارا والأقوى سياسيا، وربما في حد أقل يعبر السند.
من غير المحتمل أنه تم تغيير المسار لأمور اقتصادية أو سياسية فقط، بل لأسباب أمنية وبطلب من الصين التي تريد أمن عمالها ومركباتها، ثم إن «خيبر – باختونخوا» فيه نشاط لافت لـ«طالبان» ولمتشددين آخرين. أما بلوشستان فإن الانفلات الأمني فيها كبير بسبب حركات التمرد الانفصالية، ويتعرض العمال الصينيون هناك لهجمات كثيرة.
عام 1951 كانت باكستان من الدول الأولى التي اعترفت بالجمهورية الشعبية الصينية بعد عامين من إعلانها، ولا تنسى الصين أن باكستان فتحت لها ممرا جويا للخروج إلى العالم في السنوات الأولى بعد ثورتها عام 1949. وبشكل أكثر تحديدا لا تنسى أن باكستان دعمت الصين لاستعادة مقعدها الشرعي في الأمم المتحدة.
في نهاية الخمسينات عندما بدأت العلاقات الهندية – الصينية تتراجع، رأت الصين في باكستان، نظرا لموقعها الجغرافي ولعدائها الفطري للهند، استثمارا قيما على المدى البعيد.
الصين أكبر شريك تجاري لباكستان، وتسارع الدولتان دائما لتقديم المساعدات بعضهما لبعض بعد الكوارث. وتشترك الدولتان بعلاقات عسكرية قوية، ومقاتلة «ثاندر – جي. إف – 17»، أبرز الأمثلة على نجاح المشاريع العسكرية بينهما. ومعا أنتجت الدولتان مختلف الأسلحة بما فيها الصواريخ.
ورغم ثراء الصين، ووسع مساحتها، وعدد سكانها، تبقى باكستان بمثابة «الحصى الذي يسند الخابية» سرا، ورغم أن بكين ولعقود كانت مورد الأسلحة الأول لباكستان (استوردت في السنوات الخمس الماضية أكثر من نصف أسلحتها من الصين)، فإن باكستان هي التي نقلت التكنولوجيا الغربية للصين، مثل «الصواريخ الباليستية»، وأجهزة الطرد المركزي، ومواد من الولايات المتحدة لطائرات الهليكوبتر من طراز «ستيلث». أيضا عام 1971، جانب من رحلة وزير الخارجية الأميركي آنذاك هنري كيسنجر السرية إلى باكستان، بقصد التعافي ظاهريا فوق تلة باكستانية، مهد الطريق لإعادة العلاقات الأميركية – الصينية. أيضا لقاء سري في السفارة الصينية في إسلام آباد أعطى الضوء الأخضر لصفقة الصواريخ الصينية الباليستية إلى المملكة العربية السعودية في الثمانينات. وأخيرا، وفي عدة مناسبات التقى مسؤولون صينيون في باكستان مع «طالبان» من دون لفت الانتباه.
إن خطة شي جينبنغ للاستثمار برا وبحرا من أجل إحياء عظمة وثراء طريق الحرير القديم خطة خيالية، لكن عليها أولا أن تعالج الحقائق على أرض الواقع في باكستان، وبرزت أسوأ هذه الحقائق يوم الاثنين الماضي عندما أشعل مسلحون النار في ما لا يقل عن خمس حافلات تحمل وقودا إلى شركة صينية تعمل في منطقة «شاغي» في بلوشستان، وخطفوا أربعة سائقين. لم يعلن أحد مسؤوليته عن الهجوم، لكن المعروف أن الثوار البلوش ولسنوات يهاجمون المقرات الحكومية والملكية الخاصة بما فيها المنشآت الصينية. المتمردون البلوش يستهدفون أساسا القوات المسلحة الباكستانية، ويتهمون الشركات المتعددة الجنسيات بسرقة ثروات بلوشستان الطبيعية. زعماء البلوش والباشتون عبروا عن تحفظاتهم بشأن الطريق السريع (2395 كلم) من «غوادار» إلى «كاشغار» وتعهدوا بالانضمام إلى النضال الجماعي في حال حصل تحويل للطريق الذي كان مخططا له أن يمر عبر المدن الرئيسية في بلوشستان قبل أن يصل إلى مقاطعة «خيبر – باختونخوا» وقالوا إن تحويل الطريق عن الخطة الأساسية يهدف إلى توفير فرص العمل للبنجاب على حساب البلوش، وبالتالي لا فائدة منه للبلوش أو البشتون.
التجارة البرية بين باكستان والصين يجب أن تتعامل مع الحركات الانفصالية على جانبي الحدود، في بلوشستان وشنجيانغ. في بلوشستان يهدد الانفصاليون قدرة الصين في الحصول على منافذ استراتيجية في المناطق الغنية بالطاقة، عبر ممر الطاقة والتجارة بين الصين وباكستان، في حين أن المتمردين «الأوغور» يمكن أن يعطلوا التنمية في شنجيانغ. هذه المخاوف الأمنية قد تهدد مشروع ميناء «غوادار» الذي تعتمد عليه الخطة الصينية. لم تبدأ بعد الخطوة الأولى من المشروع العملاق والمسؤولية الملقاة على الحكومة الباكستانية كبيرة، فكيف ستتصرف؟

الشرق الاوسط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

1 × واحد =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube