https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

حجبت أزمة الغواصات الفرنسية، جزئياً على الأقل، أهمية الاتفاق الأميركي – الأسترالي – البريطاني على إنشاء تحالف جديد في منطقة آسيا – المحيط الهادئ يرمي إلى تطويق الصين وإحباط جهودها لاحتلال موقع القوة العظمى الثانية في العقود المقبلة.

ولئن أشار الاحتجاج الفرنسي الصاخب على إلغاء أستراليا لصفقة غواصات فرنسية تعمل بالديزل وتقدر قيمتها بما يتراوح بين 40 و60 مليار دولار، مفضّلة عليها أخرى نووية أميركية، إلى أزمة في العلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة بعد تأييد الاتحاد الأوروبي لموقف باريس، فإن المسألة برمتها تشير، من جهة ثانية، إلى تراجع الأهمية الدولية لفرنسا وسهولة إبعادها والاستغناء عنها في الساحات التي تدور فيها وحولها رحى المواجهات الاستراتيجية الكبرى على غرار المواجهة في شرق المحيط الهادئ. أو على الأقل إلى أن الموقع الفرنسي أضعف من أن يؤدي دوراً مؤثراً في المنازلة بين الصين وأميركا ويُقنع كانبيرا بقدرة باريس على ضمان أمنها. والدور الأسترالي والتأييد الدائم للسياسات الأميركية من المسائل الشائكة في النقاش الأسترالي الداخلي الذي أطلقه الانضمام إلى تحالف «أوكوس» من دون عرضه على المواطنين مسبقاً.

مهما يكن من أمر، تظل الصين هي مركز الدائرة في كل هذه السجالات. فبكين متهمة بتبني نهج عدواني حيال جيرانها وإقامة جزر صناعية في بحر الصين الجنوبي لاستخدامها كقواعد بحرية وجوية كما تلوّح باللجوء إلى القوة لتسوية قضية تايوان «المقاطعة المتمردة» التي ترى الصين استعادتها علامة على اكتمال سيادتها على أراضيها.

عملية التبادل بين كندا والولايات المتحدة من جهة وبين الصين من الجهة المقابلة للمديرة التنفيذية لمجموعة «هواوي» التكنولوجية العملاقة منغ وانجو، والمواطنين الكنديين مايكل سبافور ومايكل كوفريغ التي اختتمت ألف يوم من الاحتجاز، قد تُبشّر بانخفاض مستوى التوتر بين واشنطن وبكين. لكنها لن تنهي المنافسة الشرسة على الاستحواذ على تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين والأسواق العالمية.

بيد أن الصعود الصيني في المجالات الاقتصادية الذي كُتب عنه الكثير، قد لا ينجح في الحفاظ على زخمه الذي عرفه في العقود الماضية. أزمة شركة «إيفر غراندي» العقارية قد تجذب خلال سقوطها قطاعات أخرى حيوية في الاقتصاد الصيني. ووسط انتشار التحليلات التي تُشبّه انفجار الفقاعة العقارية الصينية لما جرى في اليابان في الثمانينات وفي الولايات المتحدة مع الركود الذي دشنه انهيار شركة «ليمان براذرز» في 2008 ثمة من يرى أن الصين قد وصلت إلى أوج قوتها وأن مواردها وأسلوبها في إدارة الاقتصاد لم يعودا قادرين على تحقيق نسب النمو التي شهدتها منذ ثمانينات القرن الماضي حتى نهاية العقد الأول من الألفية الحالية. ناهيك بتراجع نسبة الولادات والارتفاع الكبير في عدد المسنين.

ويذهب الباحثان هال برندز ومايكل بريدلي في مقالهما في «فورين بوليسي»، 24 سبتمبر (أيلول) إلى عقد مقارنات تاريخية بين الصين الحالية وأوضاع إمبراطوريات أَفَلَت في القرن الماضي خصوصاً ألمانيا عشية الحرب العالمية الأولى واليابان في ثلاثينات القرن العشرين على أعتاب الحرب الثانية. خلاصة طرح برندز وبريدلي أن الإمبراطوريات التي تحقق تقدماً تقنياً واقتصادياً سريعاً غالباً ما تضع نفسها في حصار وصدام مع القوى العالمية المهيمنة. هكذا فعل قيصر ألمانيا فيلهلم الثاني الذي طمح إلى الحلول مكان بريطانيا في أوروبا والعالم على الرغم من افتقاره إلى الموارد الطبيعية اللازمة لخوض صراع بهذا الاتساع. ما أغرى فيلهلم كان الازدهار الاقتصادي الذي حققته ألمانيا بعد توحيدها في 1871 وما أخافه -في الوقت ذاته- هو تباطؤ النمو وتضاؤل الأسواق. فاعتقد أن الحل يكمن في القفز إلى الأمام من خلال حرب ضد بريطانيا وحلفائها.

مقاربة مشابهة اتخذتها اليابان بعد عقود من الازدهار حققتها إصلاحات عهد الميجي. إذ حمل تراجعُ وتيرة النمو اليابانَ على مهاجمة الصين وكوريا واحتلالهما في الثلاثينات وصولاً إلى ارتكاب الخطأ الأكبر بمهاجمة الولايات المتحدة في 1941. نتيجتا المغامرتين كانتا دماراً للنظامين اللذين سقطا في حساباتهما الخاطئة. وحسب برندز وبريدلي، تقع الصين في الموقف الاستراتيجي ذاته الذي وجدت ألمانيا واليابان نفسيهما فيه في 1914 و1941: غواية القوة وتراجع الموارد. تدفع الأولى إلى استعراض العضلات في أماكن مثل تايوان فيما ينطوي الثاني على الخشية من خسارة الموقع والانخراط في مغامرات مع خصوم يتفوقون على الصين في النواحي العسكرية والاقتصادية وفي شبكة العلاقات والتحالفات العالمية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة × 2 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube