https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

يبدو أن قرار الحزب الشيوعي الصيني إلغاء الحد الأقصى للرئاسة -الذيحدده الدستور بولايتين- سيُفسح المجال أمام الرئيس الصيني شي جين بينغ، ليسفقط ليكون “رئيسا لكل شيء” بل ليصبح أيضا “رئيسا إلى الأبد”. ولكنه زاد من حدة الجدل الدائر حاليا بين خبراء الصين بشأن احتمال أن تشكّلسلطة تنفيذية قوية أكثر من اللازم -أو ضعيفة جدا- أكبر تهديد للصين. يختلف الجواب على هذا السؤال -إلى حد كبير- في أوساط علماء السياسةوالاقتصاد وخبراء التكنولوجيا؛ فالعديد من علماء السياسة والقانون مثلايشككون في هذا التغيير، لأنهم يعتبرون أن نموذج القيادة الجماعية التيشكلها الحزب الشيوعي بعد 1979 يُعدّ من أكبر نجاحاته. وقد وفر الحدُّ الأقصى في هذا النموذج، وكذلك النظامُ الجماعي لصنع القرارعلى مستوى رفيع؛ الضماناتِ اللازمةَ لمنع تكرار الكوارث التي حدثت في عهدماو تسي تونغ، تحت عناوين مثل “القفزة الكبرى إلى الأمام” و”الثورةالثقافية”. والواقع أن الانفتاح الصيني -الذي أعقب 1979- سمح أحيانا كثيرة بمعركةحقيقية للأفكار، ولاسيما بين رابطة الشباب الشيوعي المحافظ والنخب الساحليةالتي تفضل المزيد من التحرير الاقتصادي. وقد تظل الصين مجتمعا منغلقا مننواح كثيرة، ولكن كبار صناع القرار لديهم استعداد منفتح للتجربة والتعلمعبر التجربة والخطأ. وفي الوقت نفسه، يشعر العديد من الاقتصاديين بقلق أقل بشأن السلطةالتنفيذية المفرطة، لأنهم يعتقدون أنه من الأخطر أن تكون هناك حكومة ضعيفةجدا لا تستطيع إصلاح النموذج الاقتصادي للبلد عند الحاجة. ومن بين التحديات الاقتصادية الحالية للحكومة: تباطؤ النمو، وتصاعد الديونخاصة بين الشركات المملوكة للدولة، والمصالح الراسخة التي تقف في طريقالإصلاحات الهيكلية. ويعترف معظم الاقتصاديين بأن نموذج القيادة الجماعية قد حال دون وقوعالكوارث. لكنهم يجادلون بأن ذلك قد أعاق الإصلاح أيضا، وسمح للحزب الشيوعيالصيني بأن يصبح حزبا ينخره الفساد والمحسوبية، ومجردا من الأهدافالأيديولوجية. وفي نهاية رئاسة هو جينتاو -التي استمرت فترتين- عام 2013؛ خشي الكثيرون منأن نموذج القيادة الجماعية لم يكن كافيا لمواجهة المصالح الاقتصاديةالمكتسبة للصين، ومعالجة عدم المساواة، وتقديم الخدمات العامة الأساسية. والواقع أنه في وقت مبكر من 2007؛ توصل رئيس مجلس الدولة الصيني هو جينتاوإلى أن المسار الاقتصادي للصين “غير مستقر، وغير متوازن، وغير منسق، وغيرمستدام”. وبعكس ذلك، يجادل الاقتصاديون بأن شي بدأ في تحويل الأمور عبر خوضه معركةمن أجل “حزب أنظف”. وسجنت حملته الضخمة لمكافحة الفساد الآلاف من مسؤوليالحزب على جميع المستويات، وأعادت تأسيس ركائز الحزب الشيوعي الصيني. ويعترف الاقتصاديون بأن حملة شي قد أزاحت أيضا العديد من منافسيهالمحتملين، لكنهم يجادلون بأن موقفه المعزز يسمح له الآن باستبدال نموذجالنمو القائم على الديون الممولة من الائتمان بشيء أكثر استدامة. وبطبيعة الحال؛ فإن المستقبل هو من سيبين ما إن كانوا على حق؛ فرغم نجاح شيفي توطيد سلطته وتمديد قبضته على السلطة إلى أجل غير مسمى؛ فإن هناك سبباللشك في أنه سيكون على استعداد ليخاطر بنموذج اقتصادي جديد، إذا ثبت أنالاستدامة تنافي الحفاظ على النمو السريع. أما التكنولوجيون فيقدمون طرقا جديدة لتصحيح أو تجنب الأخطاء المحتملة. بالإضافة إلى استبدال نموذج القيادة الجماعية بنهج يتمحور حول شخصية المرشدالأعلى، حيث قام الرئيس شي بتوطيد دولة المراقبة بشكل كبير. فقد بدأت الحكومة الصينية تستخدم بشكل متزايد القنوات الفضائية والبياناتالكبرى، والذكاء الاصطناعي؛ لدراسة سلوك المواطنين الصينيين: آمالهم،ومخاوفهم، ووجوههم، بحيث يمكنها التصدي للمعارضة وللتحديات لسلطتها. وعلاوة على ذلك؛ أنشأت الحكومة -تحت حكم الرئيس شي- قواعد بيانات “الائتمانالاجتماعي” على الإنترنت، مما يشير إلى إمكانية تسجيل علامة واحدة لجميعالصينيين، تشمل تصنيفاتهم الائتمانية، وتصرفاتهم على شبكة الإنترنت،وسجلاتهم الصحية، وتعبيراتهم عن الولاء للحزب، وغير ذلك من المعلومات. تكمن أهمية دكتاتورية البيانات الكبيرة في كونها تعتمد أقل على التهديداتالمباشرة والعقاب العام، وأكثر على التأثير على وجهات نظر الناس وتصرفاتهم. وكل وقت يقضيه المواطنون الصينيون على شبكة الإنترنت، تستغله الحكومةللتحكم فيما يرونه ويفعلونه على هذه الشبكة. كما أن التقنيات الرقمية ستسمح للحكومة بالاستجابة -بسرعة أكبر- للاستياءالعام، أو التخلص منه تماما، إذا تمكنت من التعرف على التغيرات في الرأيالعام أو التنبؤ بها. وبالنظر إلى أن العديد من الدكتاتوريات تنهار نتيجة لفقرها في المعلومات؛فإن التكنولوجيات الرقمية يمكن أن تصبح وقاية قوية من اتخاذ القراراتالسيئة، بشكل أفضل من الحد الأقصى للفترة الرئاسية. إذا كان هناك شيء واحد يمكن للعلماء السياسيين والاقتصاديين والتكنولوجيينالاتفاق عليه؛ فهو بناء الرئيس شي لأقوى نظام مراقبة تدخلي في التاريخ. ويبقى أن نرى ما إن كان نهجه في “صنع الصين مرة أخرى” سيعزز سلطته، أمسيتحول إلى ضعف قاتل؟ولكن مع قيام الصين بدور أكبر من أي وقت مضى في الاقتصاد العالمي عبراستثماراتها ومشاريع البنية التحتية؛ سيصل صداع ما يحدث هناك إلى كل مكان،ولسنوات قادمة. وهذا يعني -على كل حال- أن شي ربما يصبح “رئيس كل شيء إلىالأبد”.

بروجيكت سينديكيت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة × واحد =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube