https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

كتب محمد خير الوادي :

رغم ان السياسة الامريكية تستحق الادانة والشجب باقسى الكلمات – كما يقال عادة في البيانات  في  الرسمية  ،الا ان ما جرى اثناء  الانتخابات الرئاسية في امريكا  ، يستوجب وقفة هادئة  للتحليل واخذ العبر .

 فقد مارس ترامب  الرئيس المنتهية ولايته ،اقسى ما يمكن من ضغوط ، واستثمر موقعه السلطوي من أجل بناء  نظام شمولي فردي مستبد،  يحاكي  تلك الانظمة  القائمة في بعض الدول الصديقة له .ولكن هذه الجهود اصطدمت بمؤسستين  كبيرتين ، عاندتا الترامبية ،وصمدتا امام زحفها الشامل لابتلاع مرتكزات السلطة الامريكية كلها  . وهاتان المؤسستان هما ،الأولى  القضاء ، والثانية الاعلام .

 لقد خطط ترامب طويلا ومسبقا ،من اجل الاستيلاء على القضاء وتسخيره لمصالحه  واستخدامه في معاركه الانتخابية . فهو قد عيٌن اغلبية قضاة المحكمة العليا من مواليه ، وغير كثيرا في وزارة العدل، واختار المدعين  العامين في كثير من  الولايات .لكن ماحدث ، ان القضاة والمسؤولين  الذين عينهم ترامب، آثروا – في اغلبيتهم  اثناء المعركة الانتخابية -،الانحياز الى القانون والنزاهة المهنية ، وعدم الاستجابه للنزوات والاملاءات  الترامبية المناقضة لروح الدستور.

لم يتوقع ترامب هذا الموقف من القضاء الامريكي ، ولذلك امطره بوابل من الشتائم، التي طالت خاصة اولئك الذين عينهم .وأضطر ترامب الى الاعتراف  بمرارة من انه – وهو الرئيس الامريكي  القوي المستبد – عجزعن التأثيرعلى القضاء .

والمؤسسة الاخرى التي صمدت امام غوغائية ترامب، هي  الاعلام . لقد بذل الرئيس ترامب منذ دخوله البيت الابيض، جهودا محمومة من  اجل الاستيلاء على اجهزة الاعلام الامريكية . ولم يتوانى ترامب عن  استخدام الترهيب والترغيب والرشاوى، وتسخير خبرته كمقدم برامج تلفزيونية سابق ، لاستمالة مسؤولي الصحف الكبيرة واقنية التلفزيون وجرها الى جانبه ، او –على الاقل – السكوت عنه . ولكنه اخفق ايما اخفاق . وواصل  اغلب اجهزة الاعلام الامريكي طيلة السنوات الاربع الماضية، الهجوم الشديد على سلوك ترامب وكشف تخبطه وجهله  ، وعرٌا مزاجيته .وقد تعرض القائمون على هذه الاجهزة لاقسى الهجمات ، بهدف  اجبارهم على التراجع عن مواقفهم المعادية للترامبية .ولكنهم تمسكوا باستقلاليتهم و بحرية الكلمة ، وفضلوا الدفاع عن شرف مهنتهم ومصداقيتها .و اخفق ترامب هنا ايضا .

 ويمكن القول ، ان الصخب السياسي الذي اشعله ترامب في امريكا اليوم، قد استند  الى معركتين اساسيتين في مجالي القضاء والاعلام . وقد خسر ترامب كلتا المعركتين .

واخلص في النهاية الى الدرس البليغ الذي يمكن استخلاصه من احداث امريكا .

 لقد نجت امريكا من فخ الترامبية بفضل استقلال مؤسستي القضاء والاعلام ، وهو امر يخدم مصالح هذا البلد البعيدة ، ويحفظ البناء الديمقراطي  والاستقرار الاجتماعي فيه .

لقد  كان الضامن الاساسي لنجاح هاتين المؤسستين هو، استقلالهما وانحيازهما الى الى القانون والتمسك بشرف المهنة . ان المواقف الجريئة التي اتخذها قضاة امريكا واعلاميوها ، قد   بددت  احلام ترامب ، وحدٌت من طموحاته الهوجاء ،لاقامة نظام فردي  شعبوي مطلق ، واخرجت امريكا من حمٌى الترامبية   .

14/12/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان × أربعة =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube