كتب محمد خير الوادي :
رغم ان السياسة الامريكية تستحق الادانة والشجب باقسى الكلمات – كما يقال عادة في البيانات في الرسمية ،الا ان ما جرى اثناء الانتخابات الرئاسية في امريكا ، يستوجب وقفة هادئة للتحليل واخذ العبر .
فقد مارس ترامب الرئيس المنتهية ولايته ،اقسى ما يمكن من ضغوط ، واستثمر موقعه السلطوي من أجل بناء نظام شمولي فردي مستبد، يحاكي تلك الانظمة القائمة في بعض الدول الصديقة له .ولكن هذه الجهود اصطدمت بمؤسستين كبيرتين ، عاندتا الترامبية ،وصمدتا امام زحفها الشامل لابتلاع مرتكزات السلطة الامريكية كلها . وهاتان المؤسستان هما ،الأولى القضاء ، والثانية الاعلام .
لقد خطط ترامب طويلا ومسبقا ،من اجل الاستيلاء على القضاء وتسخيره لمصالحه واستخدامه في معاركه الانتخابية . فهو قد عيٌن اغلبية قضاة المحكمة العليا من مواليه ، وغير كثيرا في وزارة العدل، واختار المدعين العامين في كثير من الولايات .لكن ماحدث ، ان القضاة والمسؤولين الذين عينهم ترامب، آثروا – في اغلبيتهم اثناء المعركة الانتخابية -،الانحياز الى القانون والنزاهة المهنية ، وعدم الاستجابه للنزوات والاملاءات الترامبية المناقضة لروح الدستور.
لم يتوقع ترامب هذا الموقف من القضاء الامريكي ، ولذلك امطره بوابل من الشتائم، التي طالت خاصة اولئك الذين عينهم .وأضطر ترامب الى الاعتراف بمرارة من انه – وهو الرئيس الامريكي القوي المستبد – عجزعن التأثيرعلى القضاء .
والمؤسسة الاخرى التي صمدت امام غوغائية ترامب، هي الاعلام . لقد بذل الرئيس ترامب منذ دخوله البيت الابيض، جهودا محمومة من اجل الاستيلاء على اجهزة الاعلام الامريكية . ولم يتوانى ترامب عن استخدام الترهيب والترغيب والرشاوى، وتسخير خبرته كمقدم برامج تلفزيونية سابق ، لاستمالة مسؤولي الصحف الكبيرة واقنية التلفزيون وجرها الى جانبه ، او –على الاقل – السكوت عنه . ولكنه اخفق ايما اخفاق . وواصل اغلب اجهزة الاعلام الامريكي طيلة السنوات الاربع الماضية، الهجوم الشديد على سلوك ترامب وكشف تخبطه وجهله ، وعرٌا مزاجيته .وقد تعرض القائمون على هذه الاجهزة لاقسى الهجمات ، بهدف اجبارهم على التراجع عن مواقفهم المعادية للترامبية .ولكنهم تمسكوا باستقلاليتهم و بحرية الكلمة ، وفضلوا الدفاع عن شرف مهنتهم ومصداقيتها .و اخفق ترامب هنا ايضا .
ويمكن القول ، ان الصخب السياسي الذي اشعله ترامب في امريكا اليوم، قد استند الى معركتين اساسيتين في مجالي القضاء والاعلام . وقد خسر ترامب كلتا المعركتين .
واخلص في النهاية الى الدرس البليغ الذي يمكن استخلاصه من احداث امريكا .
لقد نجت امريكا من فخ الترامبية بفضل استقلال مؤسستي القضاء والاعلام ، وهو امر يخدم مصالح هذا البلد البعيدة ، ويحفظ البناء الديمقراطي والاستقرار الاجتماعي فيه .
لقد كان الضامن الاساسي لنجاح هاتين المؤسستين هو، استقلالهما وانحيازهما الى الى القانون والتمسك بشرف المهنة . ان المواقف الجريئة التي اتخذها قضاة امريكا واعلاميوها ، قد بددت احلام ترامب ، وحدٌت من طموحاته الهوجاء ،لاقامة نظام فردي شعبوي مطلق ، واخرجت امريكا من حمٌى الترامبية .
14/12/2020