https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

هل حلت المرارة مكان الحماس؟ا
هذا الشهر، تحتفل حكومة حزب بهاراتيا جاناتا بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي بالذكرى السنوية الأولى لتوليها السلطة في الهند. ورغم أنه من السابق للأوان أن نقيم أداءها في المجمل، فإن الشعور الغالب في مختلف أنحاء الهند حتى الآن هو خيبة الأمل.
لقد امتطى حزب بهاراتيا جاناتا في طريقه إلى السلطة موجة من التوقعات بعد عشر سنوات من المعارضة لحكومة التحالف التقدمي المتحد، بقيادة رئيس الوزراء مانموهان سينغ من حزب المؤتمر، (لغرض الإفصاح الكامل: كنت عضوا في هذه الحكومة). كان دعم حزب بهاراتيا جاناتا قويا للغاية، حتى أنه أصبح الحزب الأول منذ ثلاثين عاما الذي يفوز بالأغلبية في لوك سابها (مجلس النواب في البرلمان الهندي).
كان الحماس المبكر لحكومة حزب بهاراتيا جاناتا مستندا إلى التباين الواضح بينه وبين سلفه. فها هي ذي أخيرا حكومة قوية مؤلفة من حزب واحد ويقودها “رجل أفعال لا أقوال”، يتسم بالحسم، وليس ائتلافا هشا بقيادة رجل صموت في الثمانين من عمره، وكان في كثير من الأحيان يُرسم ظلما في هيئة كاريكاتورية كرجل متردد ومذبذب.
لقد تم تسويق مودي للناخبين بالاستعانة بحملة بارعة (وممولة ببذخ) صورته في هيئة رجل الأعمال الكبير الداهية الذي نجح في تحويل ولاية جوجارات إلى قدوة للتنمية، والقادر على تقديم الشيء نفسه للبلد بالكامل. وباجتذاب الشباب بوعد فرص العمل، والناخبين الأكبر سنا بإمكانية الإصلاح والنمو، فاز مودي بتفويض أذهل وكالات استطلاع الرأي في البلاد. وفي الوقت نفسه سجل حزب المؤتمر أسوأ أداء له على الإطلاق.
ومنذ الانتخابات، كان مودي يتهادى بنشاط على الساحة العالمية، ويروج لحكومته على أنها حكومة مضيافة للمستثمرين، ويحث المؤسسات الصناعية الأجنبية على “الصناعة في الهند”. ومع ذلك فإن هذه الرحلات إلى الخارج لم تحقق الكثير، باستثناء تحسين مكانته الشخصية، والتي عانت كثيرا في أعقاب اتهامات وجهت إليه بأنه أثناء توليه رئاسة وزراء ولاية جوجارات كان مهملا على الأقل، حيث قُتِل أكثر من ثلاثة آلاف شخص في مذبحة ضد المسلمين عام 2002.
وكان أداء مودي المحلي أيضا مخيبا للآمال، فرغم أن خطبه وتعليقاته القصيرة لا تزال مقنعة لأنصار خطابته الهندية، فإن الفجوة بين الخطابة والواقع تتسع بمرور كل أسبوع.
الواقع أنه رغم حديثه الفصيح البليغ عن التسامح والاستيعاب، ظل مودي صامتا إلى حد كبير في مواجهة خطاب الكراهية من قِبَل وزراء حزب بهاراتيا جاناتا وأعضاء البرلمان الذين ينفرون الأقليات غير الهندوسية في الهند. فربما يبشر حزب بهاراتيا جاناتا بالتنمية، ولكنه يمارس التعصب، وهو التناقض الذي لا يستطيع مودي أن يحله إلا بالتبرؤ من القوى التي ساعدت في ضمان فوزه الانتخابي.
وعلى نحو مماثل، لم يفِ مودي بتعهده “بالحد من حجم الحكومة وتعظيم الحكم”، بل إنه على العكس من ذلك خلق الحكومة الأكثر مركزية، والتي تدار من أعلى لأسفل، وتحركها البيروقراطية، وتهيمن عليها عبادة الشخصية، منذ حكم الطوارئ في عهد أنديرا غاندي في منتصف سبعينيات القرن الماضي. وأولئك الذين انتقدوا “شلل عملية اتخاذ القرار” المزعومة في عهد سلف مودي المفرط في الديمقراطية والمشورة والسعي إلى التوافق، يجدون أنفسهم الآن في مواجهة نوع مختلف من الشلل، مع تراكم الملفات على مكتب مودي، أو المكان الوحيد حيث يتم اتخاذ القرار.
وتظل مناصب عليا -تضم اثنين من لجنة الانتخابات المستقلة التي تتألف من ثلاثة أعضاء لا غنى عن أي منهم- شاغرة حتى الآن، الأمر الذي يجعل مؤسسات بالغة الأهمية عاجزة عن العمل بفعالية. ورغم حديثه عن الشفافية والمساءلة، فشل مودي في تعيين مفوض للمعلومات المركزية، أو مفوض للمخاطر، أو أمين للمظالم (والذي يتمتع بالسلطة الإشرافية على كل قضايا الفساد التي يتورط فيها أعضاء البرلمان وموظفو الحكومة المركزية).

ومع انشغال مودي بمتابعة كل القرارات التي يتخذها هو -وهو وحده- تسير الحكومة على غير هدى. وفي بعض الحالات، تلاحق أساليب متناقضة بشكل صارخ.
ولنتأمل هنا السياسة الاقتصادية، فعلى الرغم من إعلان مودي أن “الحكومة لا ينبغي لها أن تزاول الأعمال التجارية” فإنه لم يناقش ملكية حكومته لشركات طيران وفنادق وسيطرتها عليها. والواقع أن خصخصة الشركات العملاقة التابعة للقطاع العام لم تعد تُذكَر.
وعلاوة على ذلك، فإن تحرير سوق العمل، والذي كان يُعَد ذات يوم أمرا لا غنى عنه لاجتذاب المستثمرين وتعزيز النمو الصناعي، أصبح الآن موضوعا ثانويا. وفي محل الأحاديث المتفائلة عن الإصلاح حل الاحترام المفصل رسميا لما يسمى “التدريجية المسلسلة”.
وعلى نحو مماثل، أطلق وزير المالية أرون جيتلي، الذي سخر ذات يوم من الإرهاب الضريبي، جباة الضرائب على فئات جديدة تماما من الضحايا، بما في ذلك المستثمرين المؤسسيين الأجانب الذين يحاول مودي اجتذابهم. ومن غير المستغرب أن نرى ثقة المستثمر -التي ارتفعت أثناء حملة مودي- وقد انخفضت بشكل كبير الآن.
كما كشفت حكومة مودي عن موهبة مرهفة في الإعلان عن خطط مهيبة ثم الفشل في تمويلها. والأسوأ من هذا أن ميزانيات الصحة والتعليم والصرف الصحي وأمن المرأة -وكلها من مجالات الخطب الرنانة في حملة بهاراتيا جاناتا الانتخابية- تم تخفيضها.
ولم يغفل عامة الناس عن أي من هذا، فقد ثارت ثائرة المزارعين على سبيل المثال لأن قانون حيازة الأراضي الذي أقرته الحكومة السابقة أفرِغ من مضمونه من خلال سلسلة من التعديلات التي فرضت بالأمر (والتي تواجه الآن مقاومة تشريعية رغم ذلك).
وبشكل أكثر عموما، يشعر الناخبون بالاستياء إزاء تحول مودي من “بائع الشاي” في الحملة الانتخابية، ضحى بالنعيم المحلي في سبيل خدمة الوطن، إلى شخص كثير الظهور مزخرف الملبس ومخالط للمشاهير.
وفي شهر يناير/كانون الثاني، بلغ مودي الحضيض عندما استقبل الرئيس الأميركي باراك أوباما -“صديقي باراك”- وهو يرتدي حُلة مقلمة تحمل اسمه منقوشا بالذهب على كل شريط. وكان هذا الاستعراض مروعا للجماهير التي سرعان ما ردت بإذلال حزب بهاراتيا جاناتا في انتخابات جمعية دلهي، والتي كاد الحزب يفوز بها في العام السابق. وغني عن القول إن المعارضة، التي منيت بهزيمة انتخابية ساحقة قبل عام واحد، عادت الآن إلى الوقوف على قدميها من جديد.
ربما نستطيع أن نقول إن مودي محظوظ لأن إخفاقات حكومته أصبحت واضحة على هذا النحو الصارخ، وفي وقت مبكر من فترة ولايته: فهو الآن لديه الوقت لمعالجة هذه الإخفاقات. وقد أظهر قدرته على استيعاب الدروس الصحيحة عندما سارع إلى عرض حُلته المقلمة للبيع بالمزاد لصالح الأعمال الخيرية، ولكن من المؤسف أن إصلاح بقية أخطائه ليس بهذه السهولة.
المصدر .

بروجيكت سينديكيت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

16 + 2 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube