https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

كتب محمد خير الوادي :

اعتدنا – خلال عقود طويلة – على سماع ما يردده بعض اليساريين العرب –وخاصة بعض الماركسيين منهم – ان قيام اسرائيل جاء فقط نتيجة لتآمر القوى الاستعمارية والامبريالية وتحالفها مع البورجوازية اليهودية .ونقطة على السطر !

في الاطار العام ، هذه المقولة صحيحة الى حد ما ، لكنها ناقصة ، ولا تعكس الحقيقة كلها . وهناك وقائع اخرى متعلقة بانشاء الكيان الصهيوني ،جرى الصمت عنها أو تغيببها عمدا – الا ما ندر- لاعتبارات سياسية عديدة اهمها ،” الحرص على عدم الاساءة الى مفهوم اليسار والاشتراكية”. وتؤكد الاحداث التاريخية الثابتة ،ان قوى ماركسية ويسارية يهودية لعبت ايضا دورا كبيرا لا يقل ابدا عن دور اثرياء اليهود ورجعييهم ، في التنظير للحركة الصهيونية العالمية وترويجها بين يهود العالم ،لا بل ان هذه الحركات كانت الاداة العملية لتنفيذ المشروع الصهيوني في فلسطين والمنطقة . فاذا كانت الحركة الصهيونية ” الرجعية ” قد ركزت على استخدام الدين اليهودي ورفعت يافطات التفوق اليهودي والحق التاريخي التوراتي ، فان اليسار الصهيوني الذي ترعرع في احضان الحركات الماركسية في أوربا الشرقية ، و تلطى وراء شعارات الاممية والاشتراكية والبروليتارية ومحاربة الرجعية العربية ، قد اسهم كذلك في احتلال فلسطين وتشريد شعبها . وقد التقى معظم اليسار الصهيوني مع التيارات الاخرى في الحركة الصهيونية في الامور المفتاحية التالية : – يشكل اليهود شعبا واحدا رغم تشتتهم في اصقاع الارض كلها . – الكراهية لليهود والتي تجلت في اللاسامية هي ظاهرة عالمية ولن تنتهي الا بتجميع اليهود في منطقة واحدة . – حل المسألة اليهودية يكون بسلخ اليهود عن مجتمعاتهم الاصلية وتجميعهم في دولة يهودية في فلسطين- ارض الميعاد، وهذه مهمة تاريخية لا يمكن ان تؤديها سوى “حركة تحرر قومي عالمية”- اي الصهيونية . وكما اشرنا ، فان هذه القوى حاولت اخفاء معالم الصهيونية العنصرية الاستعمارية باقنعة يسارية وشيوعية ، ورفعت شعار التوليف بين الصهيونية والاشتراكية. وعبر أحد آباء “الصهيونية الاشتراكية” البارزين وهو – نحمان سيركين عن ذلك عندما كتب في العام 1898 : “ان الصهيونية تستطيع ان تتحقق فقط من خلال إقامة”ًدولة يهودية اشتراكية”ً، بمعنى دولة الطبقات العاملة”.وتلقف هذه الدعوة الماركسي الصهيونى بيرخوف الذي نادى بضرورة تأسيس بروليتاريا يهودية عبر القيام بثلاثة احتلالات في فلسطين دفعة واحدة : -احتلال الارض عبر تأسيس عصابات يهودية مسلحة و اقامة تعاونيات اشتراكية زراعية ( وهو ما تم من خلال تأسييس الكيبوتسات “الاشتراكية” ) . – واحتلال العمل( الاقتصار على اليد العاملة اليهودية وطرد العمال العرب تمهيدا لخلق طبقة عاملة بروليتارية يهودية ). – واحتلال اللغة ( تأسيس لغة واحدة تجمع يهود اسرائيل كلهم . وقد تحقق ذلك كله . وكانت الاحزاب الصهيونية التي اتخذت واجهات يسارية بروليتارية هي اداة التنفيذ . واهم هذه الاحزاب: حزب (بوعالي تسيون -عمال صهيون) وحزب (احدوت هعفودا-اتحاد العمل)، وحزب (مباي-حزب عمال ارض اسرائيل) ثم حزب العمل –هشومير هتسعير) و(مبام-حزب العمال الموحد) ، وكان حضور كلمة “العمل والعمال” في تسميات هذه الاحزاب اليسارية الصهيونية مقصودا. ومن أجل ذر الرماد في عيون اليساريين العرب آنذاك وتضليلهم ، فقد روج اليسار الصهيوني مقولة اليساري اليهودي بيرخوف : “بعد أن يحتل اليهود فلسطين على أسس ماركسية صهيونية سوف يتشارك العمال اليهود والعرب فى الكفاح ضد الرأسمالية اليهودية والعربية”. هكذا اجمعت معظم حركات اليسار الصهيوني علي اغتصاب فلسطين وطرد شعبها . ولكن هذه هذه المرة تحت يافطة الاحتلال التقدمي الاممي ، الذي لا يقوم على فرز ديني او قومي او عنصري .حتى الحزب الشيوعي الاسرائيلي – را كاح – ايد فعليا قيام اسرائيل و طرد سكانها بمن فيهم العمال العرب والرأسمالية العربية لتأسيس بروليتاريية يهودية . طبعا لم يخلو الامر من اصوات يهودية يسارية وشيوعية ،عارضت المشروع الصهيوني واعتبرته جزءا من الامبريالية العالمية ، لكن التيار الاساسي الغالب في اليسار اليهودي ، وقف الى جانب الصهيونية واسهم في تنفيذ مشروعها العدواني التوسعي . والحديث في هذا الامر لا يسيء الى الاشتراكية او الشيوعية ، ولا يحرج احدا . انه فقط ضرورة لتصحيح وقائع تاريخية جرى التعتيم على معظمها ردحا من الزمن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة عشر − 11 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube