مجموعة مؤلفين . خلال العقد المنصرم، تضاعف عدد الجماعات المسلحة. إذ أشار باحثون إلى ظهور المزيد من الجماعات المسلحة في السنوات الست الماضية أكثر مما شهدته العقود الستة الماضية. على سبيل المثال، أشار الباحث براين ماكوين في دراسة عن النزاع المسلح في ليبيا إلى أنه تشكلت في العام 2011 أكثر من 236 “كتيبة ثورية” مختلفة تنفذ عمليات في مدينة مصراتة وحدها. أما في سورية، فقد أشارت تقديرات مركز كارتر إلى أنه خلال أول عامين ونصف من الأزمة، كان هناك “ما يقرب من 4390 وحدة مسلحة ومجلس عسكري” تنفذ عمليات في البلاد. ندمج جماعات مسلحة، شُكلت من تحالفات، في جماعة مسلحة واحدة أو جماعة منشقة – في بعض الأحيان داخل أراضي دولة واحدة أو في بعض الأحيان عبر الحدود. ومن جهة أخرى، في أماكن مثل اليمن وسورية والعراق وليبيا وأوكرانيا، تعزز الجماعات المسلحة قوتها تجعل منها شبيهة للدول على نحوٍ فعال، فتمارس سيطرة ثابتة على الأراضي والسكان. هذا الواقع الذي يزداد تعقيدًا يجعل من الصعب على المحامين العسكريين والمنظمات الإنسانية والمحامين المتخصصين في مجال حقوق الإنسان، أو المدعين العامين في المحاكم الوطنية والدولية الإجابة على التساؤل القانوني الأولي وهو: متى يكون تنظيم جماعة مسلحة كافيًا لتنطبق عليها صفة طرف في نزاع مسلح؟ هل على الجماعات المسلحة التزامات في مجال حقوق الإنسان؟ إذا كانت الإجابة بنعم، ما هي؟ هل يمكن أن تُحرض جماعات مسلحة على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية أو الإبادة الجماعية؟ يرد تحليل شامل لهذه المسائل في كتاب «تنظيم التمرد: الجماعات المسلحة في ظل القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان والقانون الجنائي الدولي»، للباحث تيلمان رودنهاوزر (Tilman Rodenhäuser)، وهو يعمل حاليًا مستشارًا قانونيًا في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وعمل سابقًا مع الصليب الأحمر الألماني، ومركز جنيف للرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة، ومنظمة نداء جنيف. هنا أربع نقاط مستخلصة من الكتاب: أولا: القانون الدولي لا يقدم تحليلًا أو إطارًا للجماعات المسلحة “مناسبًا للجميع” لا يقدم القانون الدولي تعريفًا أو إطارًا واحدًا للجماعات المسلحة غير التابعة للدول باعتبارها “شخصًا اعتباريًا دوليًا” مكلفًا بمجموعة ثابتة من الالتزامات الدولية. إذا أردنا معرفة ما إذا كانت جماعة طرفًا في نزاع مسلح تخضع لأحكام القانون الدولي الإنساني، أو تتحمل التزاماً في مجال حقوق الإنسان، أو إذا كان أفرادها يتحملون المسؤولية الجنائية عن بعض الجرائم الدولية التي ترتكب نيابة عن الجماعة، يتعين علينا دراسة الجماعة المسلحة في ضوء مجموعة القوانين التي ننظر فيها. وجود التزامات بموجب أحد أفرع القانون الدولي، أو القدرة على ارتكاب نوع من الجرائم الدولية، لا يعني بالضرورة أن الجماعة المسلحة ستتحمل أيضًا التزامات في فروع أخرى من القانون. وعلى وجه التحديد، بينما يمكن أن تصبح جماعة مسلحة طرفًا في نزاع مسلح، وملزمة بموجب القانون الدولي الإنساني، ويتحمل أفرادها مسؤولية ارتكاب جرائم حرب، فإن المسألة تختلف تمامًا بشأن ما إذا كانت الجماعة ذاتها ملزمة أيضًا باحترام حقوق الإنسان وحمايتها وإعمالها في الأراضي الواقعة تحت سيطرتها. وبالمثل، فإن جماعة ما يمكنها وضع وتنفيذ “سياسة تنظيمية” للجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية قد لا تكون بالضرورة منظمة بما يكفي لتصبح طرفًا في نزاع مسلح. ثانيا: ثلاثة معايير توضح ما إذا كانت جماعة مسلحة منظمة بما يكفي لتصبح طرفًا في نزاع مسلح عند تصاعد الاحتجاجات أو العنف – مثلما حدث مرارًا وتكرارًا في الشرق الأوسط وأجزاء من أفريقيا في السنوات الأخيرة – يتعين على المحامين تحديد متى يرقى هذا العنف إلى حد نزاع مسلح. ثمة معياران يحددان بموجب القانون الدولي الإنساني المعاصر وجود نزاع مسلح غير دولي وفقًا للمادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع والقانون الدولي الإنساني العرفي: ثمة حاجة إلى اندلاع أعمال عنف شديد بين أطراف تتسم بقدر كافٍ من التنظيم. تناولت في كتابي المعيار الثاني الخاص بكفاية التنظيم ووضعت ثلاثة معايير أساسية لتحديد ما إذا كانت جماعة ما تستوفي معيار التنظيم بموجب القانون الدولي الإنساني. تنطبق هذه المعايير بغض النظر عما إذا كانت الجماعة حركة تحرير تقليدية أو جماعة توصف بأنها “إرهابية” أو تحالف يضم جماعات تُدمج في جماعة مسلحة واحدة، أو جماعة تعمل في الفضاء الإلكتروني، أو جماعة تعمل عبر الحدود الوطنية. • أولًا، يجب أن تكون الجماعة كيانًا جماعيًا. في رأيي، ما يحول شبكة متشرذمة من الأفراد إلى كيان جماعي له دلالة قانونية هو هيكل قيادة رأسي أو أفقي. يبدو هذا المعيار بسيطًا للغاية، لكن إذا نظرنا على وجه الخصوص إلى تحالفات الجماعات المسلحة، فمن الصعب تحديده في كثير من الأحيان. • ثانيًا، لا بد أن تكون الجماعة قادرة على ممارسة مستوى شديد من عنف، ما يتطلب قوة بشرية ودعم لوجستي وقدرة على تنسيق العمليات. • ثالثًا، أي طرف في نزاع مسلح يحتاج إلى توفر هياكل القيادة وإجراءات تنفيذ الالتزامات الإنسانية الأساسية على الأقل. لا يعني هذا أن الجماعة تحترم القانون الدولي الإنساني في الواقع العملي؛ ومع ذلك يلزم الجماعة أن يكون لديها القدرة على احترام المعايير الإنسانية الأساسية