https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png
تلقيت هذا الأسبوع رسالة بالبريد الإلكتروني من صديق في طوكيو جاء فيهاتحياتي من اليابان التي تحتل المرتبة الثالثة”. كان يرثي بذلك انتهاء حقبة زمنية. كانت أرقام الربع الثاني التي يلمح إليها تبين أنه حتى بالقيمة الدولارية، الصين في الوقت الراهن ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
إن المقارنات الدولارية اعتباطية إلى حد كبير، وذلك نظراً لتأثرها الكبير بتقلبات العملات وبالنشاط الاقتصادي. وهي لا تأخذ في الحسبان أن من الأرخص بكثير شراء منزل، أو وجبة، أو الحصول على تدليك للقدمين في بكين، مقارنة بطوكيو. ومن حيث القوة الشرائية، فقد تجاوز الاقتصاد الصيني الاقتصاد الياباني منذ قرابة عقد من الزمن. لكن الرمزية مهمة. ووفقاً لذلك المقياس، الاغتصاب الصيني لهذه المرتبة يشير إلى نظام جديد. ولأول مرة منذ عام 1968، حين تجاوزت اليابان ما كان يسمى ألمانيا الغربية لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم، نجد أن لدينا الآن مطالباً جديداً بالعرش الاميركي.
هناك أوجه شبه مهمة بين اليابان في 1968 والصين في 2010. وقد قضت إنجازات اليابان في ذلك الحين على أي أفكار عنصرية باقية بأن غير البيض غير قادرين، نوعاً ما، على التحديث. وحتى فترة قريبة تعود إلى عام 1958 نجد أن الاقتصادي الليبرالي، جون كينيث جالبرايث، بدأ كتابه الذي يحمل عنوانالمجتمع الغني” The Affluent Society بتعريف الأمم الغنية بأنهاالموجودة في الزاوية الصغيرة، من حيث المقارنة، من العالم الذي يسكنه الأوروبيون”. وفي نظر كثير من الآسيويين تعتبر نهضة الصين رمزاً لحق إقليمهم في العودة إلى مقدمة جهود التقدم البشري. إن الصين صاحبة نظام الكتابة القديم، التي كانت أكبر اقتصاد في العالم في 18 من القرون العشرين الماضية، تعيد الأمور ببساطة إلى وضعها ”الطبيعي”.
ومثل الصين اليوم، سعت اليابان في 1968 – حين توسع اقتصادها بنسبة 12 في المائة في العام السابق – إلى النمو مهما كانت التكاليف. وكان ذلك العام هو العام الذي تعرفت فيه الحكومة اليابانية إلى مأساة ميناماتا، حيث كانت شركة Chisso تتسبب منذ عدة عقود في كثير من التشوهات البشرية من خلال إلقاء الزئبق في ذلك الخليج. ولم تبدأ طوكيو في معالجة إرثها المتعلق بتدمير البيئة إلا في 1970، في عهد ”برلمان التلوث” الذي فرض برلمان اليابان عملية تنظيف. وقد بدأت القيادة الصينية في إعطاء هذه المشاكل اهتماماً خطابياً على الأقل، لكن في الوقت الراهن يموت مئات الآلاف من الصينيين قبل الأوان بسبب أمراض تتعلق بالجهاز التنفسي، مع استمرار تسميم الأنهر وغش الأغذية.
وجه التشابه الآخر هو العملة. كان ينظر إلى الين، مثلما ينظر إلى الرنمينبي في الوقت الراهن، على أن قيمته مخفضة للغاية. وقد تم تحديد قيمته بـ 360 يناً مقابل الدولار منذ الحرب العالمية الثانية. وفي 1985، بعد أن اتفق وزراء مالية من خمس دول على رفع قيمة الدولار في اتفاقية بلازا، قفز الدولار من متوسط 240 يناً إلى 128 يناً. ولو صعد الرنمينبي بالمقدار ذاته، فإن الاقتصاد الصيني ـ الذي يبلغ نحو ثلث حجم الاقتصاد الاميركي في الوقت الراهن، بالدولار – يمكن أن يسد هذه الفجوة بصورة دراماتيكية بين ليلة وضحاها.
مع ذلك، الاختلافات بين الصين واليابان ما زالت خادعة. في 1968 كان يتشكل لدى اليابان عدد من شركات الفئة العالمية يفوق عددها لدى الصين في أيامنا هذه. وكانت في طريقها بالفعل كي تصبح بلداً غنياً. ولدى الصين في أيامنا هذه متوسط دخل فردي سنوي يبلغ 3867 دولاراً، أي أنه قريب من متوسط الدخل الفردي في السلفادور. ولأول مرة في التاريخ الحديث نجد أن بلداً فقيراً نسبياً يتمتع بنفوذ عالمي هائل، إذ يمارس تأثيره من خلال الاستثمارات في إفريقيا والتصويت في مؤتمرات التغير المناخي.
وتجد الصين في بعض الأحيان أن من المريح لها الاختباء وراء وصف ”البلد الفقير”. لكنها أشد فرضاً بالفعل لآرائها ووجهات نظرها من اليابان. وكان من الجوانب غير العادية لنهضة اليابان الدراماتيكية عدم وجود تأثير دبلوماسي. أما الصين فليست كذلك. وهي تقوم بتحديث جيشها بوتيرة سريعة، إضافة إلى شبكة علاقاتها التجارية والاستثمارية، وإحساسها بالمصلحة الوطنيةسواء في بحر الصين الجنوبي، أو في السودان – ويجعلها ذلك بعيدة عما تقوم به اليابان التي ما زالت مختبئة خلف الستائر الاميركية.
إن لدى البلدين قدرات مختلفة على ممارسة النفوذ من خلال ”القوة الناعمة”. ويتمتع النظام الشيوعي الصيني بجاذبية قليلة لدى البلدان المتقدمة، وإن كان يقدم للبلدان الفقيرة الراغبة في إعطاء التحديث أولوية على الشكليات الديمقراطية، أنموذجا مثيرا للجدل. وعلى النقيض من ذلك كان هناك أناس أخذوا على محمل الجد فكرة أن اليابان تقدم أنموذجاً متفوقاً من الرأسمالية بوجود نقابات عاملين متقيدة، وإنتاج في الوقت المحدد، وشركات ناجحة مراقبة من جانب الدولة. لكن أمام الصين، بمرور الزمن، فرصة أفضل لممارسة النفوذ العالمي. وربما يبالغ مارتن جاك في هذا الأمر في كتابه ”حين تحكم الصين العالم”، الذي يؤكد فيه على شعور ”المملكة الوسطى” بالتفوق الثقافي. لكن هنالك، على الأقل، بذرة من الحقيقة في تأكيده على أن النهضة الصينية يمكنها في نهاية الأمر إعادة تشكيل العالم بصورة جزئية في صورتها الخاصة بها. (يدرس عدد قياسي من الطلبة البريطانيين يبلغ ثلاثة آلاف طالب من المستوى A لغة الماندرين ـ الصينية).
والفرق الأهم هو الأكثر وضوحاً. عدد سكان الصين البالغ 1.340 مليار نسمةشخص صيني من كل خمسة أشخاص على وجه البسيطة – يعادل عدد سكان اليابان عشر مرات. ويجعل ذلك من الصعب بعشرة أضعاف على الصين تغذية آلتها الصناعية، وتوفير مستوى معيشة كالمستوى الاميركي، أو تصدير الصادرات دون قعقعة الاصطدام بعوائق ذات علاقة بالموارد والسياسة. ومن الجانب الآخر، الحجم يمنح الصين إمكانية تشكيل العالم الذي تعيش فيه، وذلك إما بتحدي تفوق الدولار الاميركي، أو بفرض مصالحها الوطنية على الآخرين، ولو بالقوة إذا تطلب الأمر. فاينانشال تايمز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

18 − 13 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube