المؤلفة : سيسيل فيسيه، يكشف كتاب «شبكات الكرملين في فرنسا» لمؤلفته سيسيل فيسيه، الصادر حديثاً في باريس، عن سعي روسيا ومنذ عدة سنوات لشن حملات من شأنها التأثير الوضع الداخلي في فرنسا ويوضح الكتاب أنه في الوقت الذي يشهد الاقتصاد الروسي أزمة خطيرة للغاية ، نجد القيادة الروسية تمنت من تأسيس جمعيات ومراكز أبحاث ودعاية إعلامية وشبكات ضغط تتنوع بين أحزاب سياسية مثل الجبهة الوطنية وبين دوائر إعلامية وشخصيات سياسية واقتصادية، هذا بالإضافة إلى الدور الكبير الذي تقوم به الجالية الروسية في فرنسا. في ظل هذا الوضع، تطرح مؤلفة الكتاب، وهي متخصصة في الدراسات الروسية بجامعة رين 2 الفرنسية، سؤالاً هاماً: هل تمثل هذه السياسة خطراً حقيقياً على كل من الأمن القومي الفرنسي والتكامل الأوروبي؟ وهنا تبدو الإجابة بسيطة وسهلة وتكمن في أن هذه السياسة تمثل فعلاً خطورة حقيقية ليس فقط على فرنسا، ولكن أيضاً على المجتمع الأوروبي ومدى تكامله ووحدته. وعبر صفحات الكتاب البالغة 392 صفحة من القطع المتوسط، تسعى المؤلفة إلى كشف النقاب عن كثير من الأمور التي لا شك أنها تدهش المواطن الفرنسي إلى حد كبير، وتثير لديه أسئلة كثيرة عن اللوبي الروسي النشط على الأراضي الفرنسية وهو يتألف من مجموعات من خبراء في الاقتصاد والسياسة وبعض المعجبين بنظام بوتين وسياسته، وأيضاً بعض الخبراء المدافعين عن المواقف الروسية في أوكرانيا، ، الأمر الذي يفسر بدوره حالة الصمت التي تتحلى بها بعض المنابر الإعلامية الفرنسية تجاه سياسة الكرملين الخارجية. يذكر الكتاب أنه من المؤكد أن تسعى لتعزيز تأثيرها داخل المجتمع الفرنسي من خلال العديد من الأدوات من أبرزها: مؤسسة «الحوار الروسي الفرنسي» التي أنشئت عام 2004 تحت رعاية الرئيسين شيراك وبوتين، وتضم شركات تجارية فرنسية وروسية لتطوير التعاون الاقتصادي والتجاري بين باريس وموسكو، و» معهد الديمقراطية والتعاون في باريس» الذي أنشيء عام 2008 بهدف إقامة جسر للتعاون بين الأوروبيين والفرنسيين والروس، وأيضا منتدى الإبطال الذي اجتمع للمرة الأولى بمقر السفارة الروسية بباريس في 2011. ويضم مجموعات من الروس الناطقين بالفرنسية وأعضاء من الجالية الروسية بفرنسا لتحقيق هدف بوتين «العالم الروسي «من خلال حشد الجاليات الروسية الناطقة بالفرنسية وتجميعها على قلب رجل واحد لتمثل قوة تحرك لمبادرات لغوية وثقافية واقتصادية روسية بدعم من الكرملين فيما يتعلق بالمسائل الجيو سياسية مثل «الصراع الروسي الأوكراني». وفى إطار متصل، يلتقي قادة الكيانات الثلاث سالفة الذكر بشكل دوري مع وسائل الإعلام الفرنسية وتلك الناطقة بالفرنسية التي أنشأتها موسكو مثل «روسيا اليوم» التي خرجت للنور في ثوبها الفرنسي عام 2017. هذا بالإضافة إلى كتاباتهم بالفرنسية من خلال «سبوتنيك»، وكالة الأنباء الروسية. الجالية الروسية في فرنسا: يتراوح قوام الجالية الروسية في فرنسا بين 300 و400 ألف روسي، وهي جالية تتسم بالقدم إلى حدٍ كبير؛ بدأت تياراتها الأولى قبل الثورة من اليهود ومعارضي نظام «تسار»، هذا بالإضافة إلى بعض الفنانين ورجال السياسة، ثم ما لبثت أن تبدلت إلى هجرات اقتصادية خلال القرن العشرين لتنتشر الآن في مدن عديدة بين باريس ونيس وكان، ووصلت إلى الجيل الثالث اليوم، الأمر الذي يدفع الكرملين نحو حُسن استخدامها والاستفادة منها. تقول الكاتبة: «إن الكرملين يستخدم أكثر من قوة ناعمة في فرنسا لبلوغ أهدافه هناك، وهي أهداف تتجاوز في الواقع فرنسا في حد ذاتها إلى الاتحاد الأوروبي، ولذلك طورت موسكو وبنجاح أكثر من قوة ناعمة لها في فرنسا عن طريق سياسة تأثير تستهدف الدوائر السياسية والاقتصادية، هذا بالإضافة إلى أنها تستعد لافتتاح كاتدرائية لها في باريس للمساعدة على تنفيذ ما تصبو إليه». ويذكر الكتاب أن جيورجي شبيليف رئيس الجالية الروسية في فرنسا يمثل أحد أهم أدوات اختراق روسيا للمجتمع الفرنسي ليس فقط لأنه مدعوم وممول بقوة من السفارة الروسية بفرنسا، ولكن أيضاً لما يتمتع به من نشاط ونفوذ كبيرين في الميدان الفرنسي، خاصة من خلال «المنتدى السنوي لروسيي فرنسا»، بل وصل الأمر لأن تصف بعض البرامج التلفزيونية الفرنسية شبيليف بأنه رجل الكرملين القوي في فرنسا، الذي يسعى نحو زعزعة استقرار المجتمع الفرنسي نظراً لما يتمتع به من نشاط كبير، إضافة إلى ما لديه من أدوات نافذة توفرها له سفارة بلادة لدى فرنسا التي تقدم له كل الدعم من وراء ستار.ويخلص الكتاب إلى أنه من الواضح أن الكرملين لا يترك أي مدخل لاختراق المجتمع الفرنسي بما في ذلك اللغة الفرنسية نفسها التي تحتوي على بضع كلمات من أصول روسية وحضور للثقافة والفنون الروسية، ولذلك يسعى الكرملين نحو إرسال فرق فنية «كورال شعبي» لبعض القرى الفرنسية من أجل التأثير على المجتمع الفرنسي بشكل مباشر، وهو هدف يسعى إليه الأساتذة الجامعيون الروس في الجامعات الفرنسية، فهم بدورهم يحاولون التأثير على طبقة الشباب الروسي والفرنسي في آنٍ واحد لبلوغ الهدف نفسه، وهو دور ينفذه بمهارة شبيليف الذي يعمل أيضاً أستاذاً للغة الروسية والعلوم السياسية بالمعهد الوطني ومن الأمثلة إلى يذكرها الكتاب عن مساعي الكرملين لبسط يده على المجتمع الفرنسي، مساندة وسائل الإعلام الروسية الناطقة بالفرنسية علانية مرشحة اليمين المتطرف «مارين لوبن»، بل وصل الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك باتهامها بتلقي تمويل مالي يقدر بـ9 ملايين يورو من بنك «فرست زيتش» الروسي عام 2014