في الشهور التسعة الأخيرة، ارتفع عدد الهجمات الإرهابية وتعاظمت وتيرتها. وفاق عدد الهجمات نظيرها في الأعوام الماضية، بحسب تقرير لوزارة الأمن الوطني (الأميركية). وليس ارتفاع عدد التفجيرات الإرهابية، ولو لم تفلح في بلوغ أو تفجير مأربها، ظاهرة خصت بها الولايات المتحدة دون غيرها. فوكالة الأنباء الروسية الرسمية، «ريا نوفوستي» أعلنت أن الهجمات الإرهابية تضاعفت في 2010. وفي العام الماضي، برز ضرب جديد من الحرب، وهو الإرهاب المجهري (ميكروتيروريزم). وهو إرهاب يبادر إليه عملاء محليون. ولا يختار هؤلاء أهدافاً كبيرة مذهلة. فهم يسعون إلى تدمير هدف بسيط يتناسب مع قدراتهم التدميرية المتواضعة. وأنصار الضرب هذا من الإرهاب هم مؤيدو «القاعدة» وعقيدتها. ولا يبدو أن أسامة بن لادن وأيمن الظواهري يوجهان هذه الأعمال. ولكن انتفاء الصلة بين زعيمي «القاعدة» ومعدي التفجيرات ليس مدعاة طمأنينة. فالإرهاب المجهري هو إرهاب غير عمودي، ومنفذوه هم العقل المخطط والمدبر والمنفذ. وفي مجلة «القاعدة» الإلكترونية، «إنسباير»، يقدم المحررون شروحات عن الإرهاب المجهري. ويكتبون :» لا نحتاج إلى هجمات كبيرة. فاستهداف العدو… هو استنزافه إلى الموت أو (إصابته بنزيف قاتل)». وتسمي المجلة التكتيك هذا بـ»استراتيجية ألف جرح» أو ألف ضربة أو قصمة. وتعرض مقالة أخرى في «انسباير» كلفة «هجوم استنزافي». وتضرب هجوم حاويات الحبر مثالاً بلغت كلفة أدواته (ثمن طابعتين + ثمن هاتفين خلويين + رسوم الشحن) نحو 4200 دولار أميركي. واضطرت «القاعدة» إلى الاقتناع بشن هجمات متواضعة، على رغم أنها لطالما اعتقدت أن الإقرار بأنها خطر فعلي هو رهن تنفيذها هجمات كبيرة وعظيمة. ولذا، نفذت في التسعينات سلسلة هجمات في بلدان مختلفة وشنّت هجمات متزامنة، على غرار تفجير السفارات في كينيا وتنزانيا واستهداف مدمرة «يو أس أس كول». وبلغت الهجمات هذه ذروتها في أيلول (سبتمبر) 2001. واليوم، الـ«قاعدة» ملاحقة في أفغانستان وباكستان، ومعاملاتها المالية مراقبة، والطائرات من غير طيار تردي قادتها. ولذا، قررت الـ»قاعدة» العدول عن نهجها التقليدي وشن عمليات صغيرة لتعطيل الحياة الغربية. وثمار هذا الضرب من الإرهاب هي عمليات صغيرة لا تذهل العالم. وهي من بنات جهد فردي قد يعرف بعض النجاح. ولكن أثر نجاحاته لا يعتد به. ولكن الإرهاب المجهري يعول على القوة الحديثة التي تجتاح العالم، قوة «ديموقراطية» التكنولوجيا المترتبة على رفع القيود عن نقل التكنولوجيا. فالقوة تنتقل من أيدي المؤسسات الكبيرة إلى الأفراد المبادرين، في مختلف أنحاء العالم. والتكنولوجيا تعبد الطريق أمام تحدي الأفراد نفوذ المؤسسات. والإرهاب المجهري غير متناظر. فهو يستمد قوته من صغر حجم خلاياه ومن صعوبة رصده. ودول مثل أفغانستان والصومال واليمن هي مصدر الإرهاب هذا. وقتال الإرهابيين المجهريين في هذه الدول عسير، حتى لو طاردتهم الولايات المتحدة في هذه الدول. ولذا، تنعطف الأهداف الأميركية من ملاحقة الإرهابيين نحو إرساء استقرار الدول هذه وعمليات «بناء الدولة». ولعل أبرز تعقيدات النوع هذا من الإرهاب هو مبادرة مواطنين غربيين لم يتورطوا في السابق في أعمال إرهابية إلى التزامه. ويتعاظم تنازع الديموقراطيات بين التزام حقوق الإنسان واللجوء إلى متطلبات أوقات الحرب حين تضطر إلى ملاحقة مواطنيها. ولا شك في أن مخاطر الإرهاب المجهري متواضعة. ولكن ديموقراطية التكنولوجيا ويسر انتقال المعلومات يؤديان إلى إرساء ديموقراطية العنف، ويؤذنان ببدء 2011. «تايم» الأميركية، |