https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

المؤلف: ديفيد برايس لكل رئيس أميركي علاقة معقدة وفريدة بالوسط الاستخباراتي، فبينما يفضل البعض البقاء على مسافة منهم، يجد آخرون أنهم أثمن أدوات السياسة والقوة. ومنذ فترة جون كينيدي أوجزت هذه العلاقة في تقرير شخصي يومي يحوي ملخصا قصيرا لما تعتبره أجهزة الاستخبارات أهم المعلومات الحرجة التي ينبغي على الرئيس معرفتها حول التهديدات العالمية والفرص المتاحة أيضا. “يهبط الرئيس من محل إقامته إلى المكتب البيضاوي ليبدأ عمله الصباحي، وبعد مراجعة قائمة العمل اليومي مع كبير موظفي البيت الأبيض، يستدعي الرئيس مستشاره للأمن القومي الذي يخبره بمدى تطور الأزمات المنتشرة حول العالم، ثم بعد دقائق معدودة تطل سكرتيرة الرئيس لتخبره أن حامل التقرير اليومي المختصر قد وصل، هذا اللقاء التالي نادرا ما يحمل أنباء طيبة”. بهذا الشكل الروائي الجذاب يبدأ ديفيد برايس كتابه حول أهم وثيقة تؤثر في قرارات رئيس أقوى دولة في العالم، فمع الحجم الهائل لوسائل جمع المعلومات حول العالم من جواسيس إلى أقمار صناعية ومراكز منتشرة في كل مكان تتجمع يوميا كمية هائلة من المعلومات الحساسة التي تخضع لعملية مراجعة وتحليل وتركيز لتصل في النهاية إلى موجز شديد الاختصار يحمل للرئيس أهم ما يجب عليه معرفته حول العالم. في مقدمة واثني عشر فصلا، يستعرض المؤلف تاريخ الموجز اليومي الرئاسي كيف نشأ وتطور، وكيف كان الوضع قبله، ومدى سرية المعلومات الواردة فيه، ومن يحمله للرئيس ويناقشه فيه، مدى بساطته وسهولة فهمه، ثم كيف هو الحال اليوم وما المنتظر مستقبلا؟ خلال العقود الخمسة الماضية تناوب العديد من عملاء الاستخبارات المركزية وموظفيها على الحضور للبيت الأبيض الأميركي حاملين معهم الموجز اليومي للرئيس وفي بعض الإدارات كان الموجز يذهب أولا لمستشار الأمن القومي. في عام 1941 أسس روزفلت أول جهاز استخبارات بالولايات المتحدة، وسمي آنذاك “مكتب تنسيق المعلومات” ثم أصبح بعد ذلك “مكتب الخدمات الإستراتيجية” وكان يضم “مكتب البحث والتحليل” الذي يجمع المعلومات من الدبلوماسيين والتقارير العسكرية ومصادر الإعلام الدولية والأبحاث الأكاديمية. كان يعمل في ذلك المكتب فريق من ألف عالم من السياسيين والمؤرخين والاقتصاديين والجغرافيين ورسامي الخرائط، ينتجون حوالي ألفين من التقارير الطويلة وآلاف المذكرات القصيرة وأكوام من الكتيبات حول البلدان الأخرى، وكان يقوده “ويليام دونوفان” الملقب بـ “بيل المتوحش”. يتحدث المؤلف عن ترومان وكيف كان مقتنعا بأن توحيد المخابرات أمر حيوي وحساس، وأنه لو كان روزفلت قد أسس نظاما استخباريا قويا لما استطاعت اليابان مفاجأة الولايات المتحدة في بيرل هاربور. ثم أسس ترومان مجموعة الاستخبارات المركزية (CIG) وهو الجهاز الذي تم تكليفه بتقييم وتنسيق العلاقة مع الاستخبارات المتعلقة بالأمن القومي. وكان الغرض الرئيس لهذه المجموعة هو دعم التحليل اليومي الذي يتلقاه الرئيس. في عام 1946 ظهر أول ملخص يومي يستهدف تقديم تحليل متكامل للرئيس، ولم يلبث أن تسرب الأمر للصحافة وتحدثت النيويورك تايمز حول أن الرئيس أصبح الشخص الأكثر معرفة بالشئون الخارجية بسبب هذا الملخص السري اليومي، وفي عام 1951 حلت الوثيقة الاستخباراتية الحالية محل الملخص اليومي السابق، وأصبحت المنتج الاستخباراتي اليومي الأعلى شأنا في الولايات المتحدة. ينتقل الكاتب إلى الرئيس “أيزنهاور” والذي تولى السلطة في عام 1953 مزودا بخبرة أكبر من سابقه في الشئون الدولية، مع اهتمام أقل بالوثيقة الاستخبارية اليومية، وتحجيم لدور تحليلاتها ومعلوماتها في القرار السياسي. فقد أحس الرئيس الأميركي أن ما يتلقاه في الوثيقة اليومية يفتقر إلى التفريق بين القدرات وبين النوايا السوفيتية، ثم أسس أيزنهاور الهيئة الرئاسية الاستشارية للأنشطة الاستخبارية الخارجية، والتي أصبحت المخولة بتقديم النصيحة والمشورة له. في يناير/كانون الثاني عام 1958 أصبحت الوثيقة اليومية في شكل ملخص من 12 فقرة تتراوح كل منها بين 6 إلى 8 أسطر، وتليها عدة صفحات تحوي بضع مقالات تشرح معظم الفقرات الأولى، حتى يستطيع القارئ أن يطالع التقارير الأصلية بنفسه؛ وبسبب شغف أيزنهاور بالصور والرسوم أضاف واضعو الملخص خريطة للعالم عليها أسهم حمراء تشير للأماكن التي تغطيها الوثيقة. وبالرغم من نجاح الوثيقة اليومية في التنبؤ بالكثير؛ فإنها أخفقت أيضا في توقع عدة أحداث مهمة. جاء كينيدي للبيت الأبيض في بداية الستينات برؤية جديدة مختلفة حول صناعة قرار الأمن القومي تختلف عن سابقه، فقد تبنى نظاما يقوم على الاطلاع الحواري؛ فكان يناقش ويسأل الجميع، وكانت قدرته الكبيرة على القراءة والاستماع تجعله قادرا على امتصاص المعلومات ممن حوله، وبعد أسبوع فقط من وجوده في الوظيفة خفّض الرئيس الموجز اليومي إلى صفحتين فقط. وعلى عكس كينيدي جاء ليندون جونسون بطيئا في القراءة ولا ينظر إلى التقارير الاستخبارية، ولا يعلم عن الموقف العالمي إلا ما يتلقاه من مستشاره للأمن القومي شفهيا عندما يقابله، ولم تكن تلك المقابلات دائمة أو منتظمة، لذلك طلب مساعد الرئيس للشئون العسكرية من المخابرات المركزية أن تطور الملخص اليومي ليتسنى للرئيس الاطلاع على التطورات حول العالم بأقل مجهود. وبسبب ذلك ظهر الملخص بشكل بسيط وأطلقوا عليه اسم “الكتاب”، وهو الاسم الذي ما زال معروفا به حتى الآن. وكان متناسبا مع عادات جونسون فيما يخص القراءة؛ فأصبح يحتوي على صفحتين بكل منهما ثلاث فقرات فقط بالإضافة للملحقات، وبلغة سهلة ومزودا بالرسوم التصويرية. يفتقرون إلى النزاهة التحليلية اتهم نيكسون وكالة الاستخبارات بأنها مجموعة ليبرالية تفتقر إلى النزاهة التحليلية، كما أنها دائما تعارضه سياسيا. واتفق معه مستشار الأمن القومي هنري كيسنجر الذي أضاف أن “الجناح التحليلي للمخابرات كان في بعض الأحيان فرعا ثانويا لهيئة تحرير جريدة “النيويورك تايمز” وأنه منحاز جدا لوجهة النظر الليبرالية. ونتيجة لموقفهم ذلك تجاه المخابرات لم يحظ الموجز اليومي باهتمام بالغ كما كان سابقا، فقد طلب كيسنجر أن يتم عرض الموجز عليه في الخامسة والنصف مساء، ما يعني فرق 17 ساعة عن موعد عرضه على الرئيس في صباح اليوم التالي، وقد وافق الرئيس على ذلك حتى لا تكون هناك أي مفاجآت صباحية لمستشار الأمن القومي. “مع التطور التكنولوجي تطور شكل الملخص وطريقة عرضه على الرئيس ليصل في عهد أوباما إلى وثيقة إليكترونية تصل للرئيس على آيباد مؤمّن. وأيا كان شكل الملخص اليومي، فسيظل محتفظا بأهدافه الرئيسية من توخي الحقيقة والتركيز على ما يحتاج الرئيس معرفته كل صباح” انتُخب فورد وطلب أن يكون الملخص الاستخباراتي أول شيء يتعامل معه يوميا، وكان أحيانا يقرؤه في سيارته وأحيانا على مائدة الطعام في المطبخ في منزله بولاية فيرجينيا. ويصف “بيترسون” مسئول الاستخبارات الذي كان موكلا بتقديم الملخص للرئيس “فورد” بأنه كان مضيافا كريما ومستمعا جيدا، يستمتع بسماع قصص المخابرات من بيترسون وأيضا وجهة نظره التحليلية للمواد الموجودة في الملخص اليومي. جاء كارتر، وكان واضح الاهتمام بالملخص اليومي، يقول أحد حاملي الملخص من رجال الاستخبارات: إن كارتر كان فائق السرعة في دراسة وهضم كل ما تقدمه له الاستخبارات، كان يبدو وكأن له ذاكرة فوتوغرافية تحفظ كل شيء، وبعد انتخاب رونالد ريجان أصدر كارتر أوامره بأن يتم تقديم الملخص اليومي لريغان ونائبه المنتخب أيضا جورج بوش (الأب). يقول بوش الأب: “عندما أصبحت رئيسا، كان أحد أوقاتي المفضلة عندما أجلس مع مسئول المخابرات وأقرأ الملخص اليومي”، كان تفاعله مع الرجل يجعل أسلوبه يتحسن ويشجع موظفي الاستخبارات على بذل أفضل ما بوسعهم. وفي عهد كلينتون كان الرئيس ونائبه المنتخب “آل غور” يقضيان ساعة كاملة في قراءة كل كلمة بالملخص اليومي بالتفصيل رغم ازدحام جدول أعمالهم اليومي، لكنهما كانا حريصين على مناقشة محتوى الملخص والإجراءات المترتبة على ما فيه. “كُنْ حريصا على أن تقرأ الملخص كل يوم” هكذا أكد “بوش” الأب على “أندي كارد” كبير موظفي البيت الأبيض، بعد نجاح بوش الابن في انتخابات الرئاسة الأميركية، ويقول آندي أنه كان يعلم بأهمية الملخص اليومي، ليس بسبب ما يحويه من معلومات، ولكن أيضا لوجود المختصين الذين يحملون الملخص ويقومون بتفسيره للرئيس. وجاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2011 في مستهل عهد بوش الابن لتؤكد مدى أهمية اطلاع الرئيس على المستجدات وأهم الأحداث يوميا، وكانت اللجنة التي شكلها الكونجرس للتحقيق في أداء الاستخبارات حول القاعدة ومدى التنبؤ بالأحداث، قد استندت إلى الملخصات اليومية التي تم عرضها على الرئيس في الفترة السابقة لهجمات سبتمبر لتحديد مدى خطأ الاستخبارات في توقع ما حدث. ومع التطور التكنولوجي منذ الستينات تطور شكل الملخص وطريقة عرضه على الرئيس ليصل في عهد أوباما إلى وثيقة إليكترونية تصل للرئيس على آيباد مؤمّن، وأيا كان شكل الملخص اليومي في العقود القادمة- يقول المؤلف- فسيظل محتفظا بأهدافه الرئيسية من توخي الحقيقة والتركيز على ما يحتاج الرئيس معرفته كل صباح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ستة عشر + 20 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube