https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

مراجعات لعدد من الكتب

-1-

يحاول كتاب (أزمات المسلمين الكبرى: التاريخ – الذاكرات – التوظيف) الإضاءة على نماذج من الأزمات في جغرافيا موزعة على منطقة الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا. بدأ الكتاب بالقضية الفلسطينية في الوعي العربي الإسلامي متسائلاً عن «فخ» اختزالها في «الأسلمة»، ثم أزمة المسلمين الويغور في الصين، وأزمة الروهنجيين المسلمين في ميانمار، مروراً بأزمة المسلمين في جمهورية أفريقيا الوسطى، ثم تطرّق لإشكاليات إدارة التسامح في العالم العربي، والصراع الشيعي- السني، وأخيراً أزمات المسلمين من القرن السابع الميلادي وصولاً للقرن العشرين.

القضية الفلسطينية في الوعي العربي والإسلامي: مراجعات نقدية

تسعى ورقة الأكاديمي التونسي محمد الحدّاد إلى متابعة «تمثلات» القضية الفلسطينية في وعي العرب والمسلمين، والتساؤل  عما أسهمت هذه التمثلات في تحقيق الأهداف المرجوّة، أم إنّها كانت عامل إعاقة.

لا يستبعد الباحث أن تشهد القضية الفلسطينية في السنوات القادمة «حلاً» من صنف لم يتوقّعه أحد في السابق؛ إذ إنّ انهيار النظام السياسي العربي، وحالة عدم الاستقرار التي عصفت بدوله الرئيسة، وانهيار جيشين عربيين أساسيين في العراق وسوريا، والدور المتعاظم لتركيا في المنطقة، وهي المرتبطة مع الكيان الصهيوني بعلاقات دبلوماسية وعسكرية واقتصادية وطيدة، كل هذه المؤشرات تؤكّد أنّ «ثوابت» القضية قد تنهار شيئاً فشيئاً، وتتغير معها المواقف والتحالفات.

وبحسب الباحث أيضاً، حجبت نظرية المؤامرة لفترة طويلة إمكان المتابعة الدقيقة لآليات العمل الصهيوني، أي فهم الوسائل وتحديد جماعات الضغط وتحليل الخطابات والاستدلالات، بغية مواجهتها بطريقة معقلنة وناجعة. وبالإضافة إلى العوامل التي ذكرناها، وهي متعلقة بالوضع الدولي ومخلفات الحرب العالمية الثانية، كان ثمّة متغيّر آخر مهمّ ونوعي قد تطوّر على مدى عقود، يتمثّل في بروز رافد آخر قوي لصالح إسرائيل، لم ينشأ من داخل اليهودية ولا في تعاطف معها، بل نشأ من المسيحية الأصولية التي تحظى في الولايات المتحدة الأمريكية بوزن سياسي مهمّ.

من هنا، أصبح مئات الآلاف من المسيحيين الأصوليين يؤمنون بضرورة استرجاع اليهود لفلسطين؛ تمهيداً لما يعرف لدى المسيحيين بعودة المسيح. ولا بدّ أن نشير هنا إلى أنّ أغلبيّة المسيحيين في العالم لا يفسّرون ذلك تفسيراً حرفياً بهذا الشكل. بيد أنّنا نعلم أن الأقليات هي التي تصنع العالم اليوم، لأنّها الأكثر قدرة على التحرّك بنجاعة.

من ذلك، ومن بزوغ صوت التيار الإسلامي -بشكل خاص- بعد نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية، نتجت الخطوة التي تلتها في مسار القضية الفلسطينية، وهي أسلمة القضية. ويحدد الباحث خمس مضارّ رئيسة، لما دعي بعد الثورة الإيرانية بأسلمة القضية الفلسطينية:

    تعميق الانقسام داخل الصفّ الفلسطيني

    تعميق الارتهان بالتجاذبات الإقليمية

    خسارة جزء من الدعم الدولي

    خسارة الدعم المسيحي

    تحويل القضية إلى مسألة إنسانية

يخلص الباحث إلى أن ما يؤشر على توقعاته بحدوث تغيير غير متوقع في مسار القضية، غرائب التغيرات في مسارها أخيرا، مثل مباركة حركة «حماس» وحركات الإسلام السياسي –عموماً- للتطبيع التركي- الإسرائيلي المعلن -أخيراً- مع أنّ «حماس» قد نشأت في سياق رفض المفاوضات بين منظمة التحرير الفلسطينية والسلطات الإسرائيلية ضمن مسار «أوسلو».

أزمة المسلمين الويغور في الصين

يمهد رئيس برنامج الدراسات الدينية في جامعة شانغهاي للمعلمين في الصين: جيان بينغ وانغ مسار الورقة بأن شنجيانغ بؤرة لنطاق تماسّ ثقافي يفترض أن تتلاقى فيه المعتقدات الروحية، والقوى السياسية، والقوى الاجتماعية، ويتشابك فيه النضال والمواجهة. وهذه السمة المعقّدة لخصائص شنجيانغ المذكورة أعلاه جعلتها مصدراً للأزمات في الألف سنة الماضية.

تحاول الورقة استعراض الأزمة الحالية القائمة في مجتمع الويغور (Uighur) في شنجيانغ، وجذور هذا الاضطراب مع الأبعاد الداخلية والخارجية البارزة في السياق الاجتماعي. الأولى تظهر في القومية الويغورية الموروثة، والرابطة اللغوية التركية، والنزعة الإسلامية التقليدية، والحركة القومية التركية في آسيا الوسطى، وتقرير المصير السياسي، والتوتّر بين القومي مقابل الدولة، والدين مقابل الإلحاد والوعي الثقافي المحلّي. يحلّل الباحث الأخيرة من خلال الطبيعة التصادمية للقوى الكبرى المجاورة للإقليم، والاستراتيجية الجيوسياسية التي تتجلّى في «اللعبة الكبرى» في الحقبة الجديدة التي تلت الحرب الباردة، والصراع بين عولمة الإسلام في العالم الإسلامي، وعولمة المادّية العلمانية في البرّ الصيني منذ عصر الإصلاح وبرنامج الباب المفتوح، الذي بدأته جمهورية الصين الشعبية في ثمانينيات القرن العشرين، ومعاناة الويغور في مثل هذا الوضع المضغوط والمقيّد الذي فرضته القوى الخارجية، والنهج البراغماتي الذي تنتهجه الأنظمة السلطوية القوية في جمهوريات آسيا الوسطى وروسيا التي تحدّ إقليم شنجيانغ الصيني.

لا يقتصر انبعاث النزعة المحافظة الدينية على مجتمع الويغور فحسب، وإنما يؤثّر في المسلمين الهوي (Hui) والكازاك (Kazak)… إلخ، أيضاً. غير أن الضغط الاجتماعي على الأخيرين أقلّ شدّة مما يتعرّض له الويغور. بل إن ثمة تأثيراً ضمنياً يدعو إلى التمسّك بالنزعة الدينية المحافظة واحترامها، حتى في مدن مثل أورومتشي في شمال شنجيانغ، حيث يقيم كثير من الصينيين الهان (Han)، ويتجمّع كثير من الويغور الذين تلقّوا تعليماً عالياً وأصبحوا من النخبة.

على الرغم من بيانات السلطات بأن الأنشطة الدينية وحقوق المواطنين في شنجيانغ محترمة ومضمونة، فإن حملة «الضرب بشدّة» منعت أو حظرت بعض الطقوس الدينية المعتادة باسم حظر الأنشطة الدينية غير القانونية. في الوقت نفسه، اتخذت السلطات خطوات قاسية لقمع الحركات المتطرّفة والاستقلالية. لكن ذلك أدّى إلى ردّ فعل من قبل المؤمنين. ويقدّم الكتاب الأبيض الخاص بشنجيانغ الوقائع بشأن مقتل عديد من الأشخاص في السنوات القليلة الماضية في هجمات إرهابية. لم تؤدّ حملة «الضرب بشدّة» المتواصلة إلى القضاء على كفاح الويغور لنيل الاستقلال.

من التدابير الرئيسة الأخرى التي اتخذتها السلطات في شنجيانغ للتصدّي للتطرّف الديني، إطلاق سياسة شديدة الجرأة لإدخال برنامج ثنائي اللغة (الويغورية والصينية الهانية) على كل مستويات مجتمع الويغور، لاستيعاب ثقافة الويغور التركية في الثقافة الصينية، وإضعاف أساس القومية المحلية والثقافة الدينية. لكن تبيّن في المقابلات الخاصّة التي أجريت مع الكوادر الهانيين والمعلّمين الويغور، بعد مرور سنوات عدة، أن هذا البرنامج واجه مقاومة من الويغور، وتسبّب في إرباك الطلاب الويغور الشبان: فهم لا يتقنون لغتهم الأم (التركية)، ولم يتعلّموا اللغة الصينية جيداً.

وبحسب الباحث أيضاً، ربما يكون من المبالغة القول: إن مجتمع الويغور التقليدي يتعرّض لخطر التفكّك والإفلاس، بل إن الظواهر المذكورة آنفاً تشير إلى أزمة اجتماعية قاسية يمكن أن تحدث في أي بلد أو مجتمع. ومثل هذا العداء بين المسلمين وغير المسلمين في شنجيانغ، وانعدام الثقة، والارتياب المتبادل، يجعل العلاقة الإثنية أشد تعقيداً وأصعب حلاً بالطرق السلمية.

يخلص الباحث إلى أن أزمة المجتمع الويغوري في الصين المعاصرة ستستمرّ على المدى الطويل؛ لأن الصين لا تزال تقوم بدور فاعل جداً اقتصادياً، وسياسياً، وعسكرياً ودبلوماسياً وثقافياً في المنطقة، ولأن نوع النظام في الصين لا يزال يعمل بطريقة سوية، من دون أن يواجه تحدّيات خارجية حادّة. لذا من المرجّح أن تندلع في المستقبل أحداث عنيفة بين الفينة والأخرى في شنجيانغ على خلفية الصدامات الإثنية والدينية، وأن تستمرّ حملة قمع الحركة الانفصالية في تركستان الشرقية والتطرّف الإسلامي في المستقبل المنظور. إذ لا يوجد حالياً أي طريقة لحلّ الأزمة التي يواجهها الويغور في الصين، واستئصال جذور التطرّف والإرهاب.

الهويّات المتنافسة والتاريخ المهجّن للروهنجيين

يقول المؤرخ الفرنسي المتخصص في تاريخ الروهنجيا جاك ليدر: إن المخاطر الملازمة للتحوّل السياسي في ميانمار، هي ما أطلق التوترات التي قمعها النظام الاستبدادي لمدّة عقود.

يلفت الانتباه إلى دور التاريخ وكتابة التاريخ الناقصة في التمثيل الراهن للصراع. وهي تدعم الحجّة بأن المسلمين والبوذيين يتمسّكون اليوم بمجموعتين من الهويات، تستبعد إحداهما الأخرى بناء على ادّعاءات متنافسة تتعلّق بتاريخ البلد وجغرافيته. ولا تتقاسم الطائفتان رواية وطنية عن أراكان بوصفها موطنهما، إذ لا تقرّ الرواية البوذية بدور المسلمين، ويُتجاهل دور الحضارة البوذية السائدة في أراكان في التاريخ الذي يعيد «الروهنجيون» المسلمون روايته.

يستعرض القسم الأول من الورقة إنشاء هوية إسلامية محدّدة في شمال أراكان وظهور الحركة الروهنجية. ويركّز القسم الثاني على استخدام التاريخ مصدراً للشرعية من قبل البوذيين والمسلمين على حدٍّ سواء. ويليه تفحّص نقدي لبيانات الروهنجيين بشأن أصولهم، ويقود إلى مراجعة للمصادر التاريخية عن نموّ المجتمع المسلم في الفترة الاستعمارية. وتختتم المقالة ببعض التعليقات على الحاجة إلى إدراج الخطاب عن الماضي المتصوّر في النقاش، بشأن الحقوق السياسية والقضايا الإنسانية.

يخلص الباحث إلى استنتاج قاتم حول مستقبل المشكلة الراهنة في ميانمار، ويعتقد أن الخلفية التاريخية للصراع حول الهوية، أمر ثانوي في تحديد حل للقضية. فيقول:

“لا توجد أرض مشتركة تتعايش فيها الطوائف في البيت الواحد الذي يدعى أراكان، حتى إذا قامت حكومة ميانمار بسجن كل مرتكبي أعمال العنف في سنتي 2012 و2013 كما يفترض بها من الناحية المثالية، وحتى إذا احترمت قوّات الأمن بعد إصلاحها مبادئ حقوق الإنسان، وأقيم حوار لصنع السلام في أراكان”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

سبعة + 17 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube