https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

بتاريخ 28/7/2020 ، نظم معهد الدول المستقلة  في موسكو ندوة دولية  مخصصة  للوضع في هونغ كونغ وآفاق  تطوره . وقد القى محمد خير الوادي  رئيس مركز راسات الصين وآسيا مداخلة  باللغة الروسية هذه ترجمة اهم ما جاء فيها:
اود بداية ان اشكر  منظمي الندوة  على دعوتي للمشاركة فيها ساتحدث اليوم في كلمتي عن احداث هونغ كونغ ـ الاسباب والنتائج ، وآفاق تطورات الوضع هناك . وبسبب ضيق الوقت المتاح لي سأكون مختصرا في كلمتي . لقد زرت هونغ كونغ مرات كثيرة ، واتابع الاحداث فيها منذ سنوات طويلة بحكم مهامي الدبلوماسية سابقا ، واهتماماتي البحثية لاحقا ،وتحدثت عن اوضاعها في عدد من كتبي . وجهة نظري ، ان هونغ كونغ هي جزء من الصين ، لكنه جزء خاص لا تزال تتحكم به تتحكم به الاتفاقية الموقعة بين بكين وبريطانيا ، والتي دخلت حيز التنفيذ عام 1997 ، ومدتها خمسون عاما. واستمرار هذا الوضع الخاص يخلق مشكلات عدة للصين . وفيما يخص اسباب الاحداث الراهنة هناك ، اعتقد ان تحميل امريكا فقط مسؤولية ما يجرى في هونغ كونغ ،وتفسيره على انه مؤامرة امريكية او ثورة ملونة ،انمايمثل جزءا من الحقيقة فقط ، ولا يظهر كل اسباب اندلاع المواجهات في تلك المنطقة . فعليا ،امريكا لعبت دورا ما في توتير الاوضاع هناك ، ولذلك فهي تستحق الادانة .ولكن هناك اطراف أخرى مسؤولة عن انفجار هذا التوتر، في مقدمتها الاداراة المحلية في هونغ كونغ، وجهات في بكين غضت نظرها عن اخطاء هذه الادارة وغطت على تقصيرها . سأدخل مباشرة الى لب الموضوع . عندما دخل اتفاق تسليم هونغ كونغ للصين قبل 27 عاما حيز التنفيذ ، لم يحتجٌ سكان هونغ كونغ على ذلك. وكان الهونغ كونغيون- او معظمهم – مساندين لذلك الاتفاق ، على امل تحقيق مزيد من الازدهار للجزيرة التي كانت درة المدن الآسيوية ، لا بل ان اكثريتهم كانت تفخر بانتمائها لدولة كبرى مثل الصين . لكن هذ الامل لم يتحقق ، والدليل على ذلك الارقام التالية الارقام التالية : – في عام 2018، اعلن نحو 90 % من سكان هونغ كونغ انهم لا يعتبرون انفسهم صينيين و لا يفخرون بذلك . وهوتراجع كبير في المشاعر ازاء الصيني القارية . – في عام 1997 ، كانت نصف تجارة الصين تمر عبر هونغ كونغ ،هبط هذا الرقم عام 2019 الى 10% فقط.وهذا خلق مشكلات اقتصادية كبيرة في الجزيرة . في عام 1997 كان مستوى المعيشة في هونغ من الافضل ليس في الصين فقط ، بل في العالم .وقد تراجع مستوى الحياة هناك الى حد ان الحياة في خمس مدن صينية اصبحت عام 2019 افضل من هونغ كونغ. – عندما وقع الاتفاق بين بريطانيا والصين ، كانت البطالة شبه معدومة لا سيما بين الشباب ، وتحولت الجزيرة الى قبلة لاذكياء واغنياء العالم وعباقرته . بينما في عام 2019وصلت نسبة البطالة نحو 6% وارتفعت بين الشباب الى نحو 11% ، وبات معظمهم يفكر بالهجرة الى دول اخرى بحثا عن عمل. لقد زرت – كما قلت – هونغ كونغ عدة مرات ، واقتنعت ان ليس كلما يلمع ذ هب .لمست وجود اهوة عميقة بين الاغنياء والفقراء ، شاهدت كيف اصبح مئات آلاف سكان المدينة ،يعيشون في ظروف غير انسانية .فهم يقطنون في غرف تشبه علب السردين دون نوافذ ولا خدمات لا يتجاوز مساحة الواحدة منها عدة امتار مربعة ، ورايت فقراء يبحثون عن طعامهم في صناديق القمامة . – كانت هونغ كونغ تفخر بحرية الصحافة والصحفيين والكتاب والمبدعين ، والان تتحدث الانباء عن ملاحقة هؤلاء واعتقالهم وحتى اخفائهم . هذا الانحدار الكارثي في مستوى حياة ملايين الناس حدث في هونغ كونغ خلال العقدين الماضيين . ويعود السبب الى هيمنة عدد من الاسر الغنية على الثروة والارض والسلطة في الجزيرة . لقد اصبحت هونغ كونغ اغلى مدينة في العالم ،وبات الحصول على منزل فيها ،حلما بعيد المنال بالنسبة لاغلبية السكان بسبب الاحتكار الذي تمارسه شركة “شال”لمعظم الاراضي والعقارات في الجزيرة . كما أُغلقت مجالات العمل امام الشباب ،واوصدت الابواب في وجه الفئات الوسطى لتبوأ مسؤوليات سياسية والمشاركة في الحياة العامة ، بسبب قانون الانتخابات النسبي المعقد . والمشكلة الكبرى ـ هي ان ممثلي هذ الاسر الثرية الذين يهيمنون على كل شيء ، يحظون بحماية ودعم كاملين من جانب بكين . هذه العوامل كلها شكلت خليطا متفجرا من الغضب والاحباط ، ولدٌ مظاهرات عنيفة في الجزيرة .والادهى من ذلك كله ، ان ادارة المدينة رفضت الاصلاح وواجهت بالرفض مطالب المحتجين ، وتركت للشرط فقط مهمة التعامل معهم . لقد ادى هذا الوضع المتوتر الى مضاعفة اعداد المعارضين للصين الذين حظيوا بدعم امريكا ودول غربية أخرى . وكانت النتيجة ان وجدت بكين نفسها امام ازمة غير مسبوقة في هونغ كونغ ، صنعتها اخطاء الادارة المحلية وفاقمها عدم اخضاع هذه الادارة للمحاسبة من جانب الحكومة الصينية .وقد ضاقت خيارات الحل امام بكين ، ولم لها سوى اللجوء الى اجراءات غير شعبية ،تتنافي مع الالتزامات التي اخذتهاهاالصين على عاتقها في عام 1997 ،واهمها فرض قانوني تسليم المتهمين و الامن الذي قيد حريات الاحتجاج والتعبير ، واضعف وضع القضاء المستقل وجرم الدعوات الانفضالية ، وفتح الباب امام اعادة صياغة مضمون المناهج في المدارس والجامعات والمنشورات في هونغ كونغ بما يتناسب مع المناهج التعلميمة الصينية . لقد تحولت هونغ كونغ التي كانت تمثل رافدا مساعدا لنمو الصين وتقدمها ،الى ساحة معركة سياسية واقتصادية وايدولوجية بين الصين والغرب ، الذي يتهم بكين بالتراجع عن مقولة دولة واحدة ونظامين ، وبفقدان مصدا قيتها الدولية عبر التراجع عن الالتزامات التي اخذتها بكين على نفسها بموجب اتفاق تسليم هونغ كونغ . وبدل ان تكون هونغ كونغ- كما كانت – جسرا للتعاون مع الغرب ، باتت الان سببا للهجوم على الصين وفرض مزيد من العقوبات عليها .وهذه النتيجة الاولى . نتيجة اخرى للوضع المتوتر في هونغ كونغ لا بد من الاشارة اليها ، وهي ان فرض عدد من القوانين الصينية على هونغ كونغ سيزيد من وزن القوى الانفصالية في تايوان التي يحكمها الان حزب الرئيسة تساي لينج وين .ولا نستغرب ابدا ، ان تفاجأنا حكومة تايبيه بطلب تدخل عسكري امريكي دائم في تايوان .وهو امر سيعقد كثيرا امكانية الحل السلمي لمشكلة تايوان . وهناك نتيجة ثالثة للوضع الحالي، هي امكانية تراجع دور هونغ كونغ ووزنها بالنسبة للصين ، لحساب مدن اخرى مثل شنغهاي وشينجن . كا ان هناك خطرا يهدد الوضع المتميز للمدينة لدى الغرب بسبب العقوبات التي ستفرضها واشنطن ، ومنها انهاء وضعها الخاص ، والطلب من الشركات الامريكية (734) شركة مغادرة الجزيرة ، وفرض عقوبات على الشخصيات القيادية في هونغ كونغ . كما اعلنت بريطانيا انها ستمنح جنسيتها لثلاثة ملايين من سكان هونغ كونغ ،وهو امر سيخلق مشكلات اضافية بين الصين وبريطانيا وربما الغرب كله . قد تهدأ الاوضاع في هونغ كونغ ، لكن هذه المدينة ستبدأ بفقدات جاذبيتها كمركز مالي واقتصادي عالمي متميز . وهذه خسارة كبرى للصين ولهونغ كونغ . لقد كان بالامكان تلافي هذا التطور الكارثي لوضع هونغ كونغ ، لو ان سياسة الاصلاح التي تنادي بها الصين امتدت الى تلك الجزيرة ،ولو انه تم استخدام وسائل لينة للجذب والاقناع وليس الاقتصار على العصا الغليظة ، ولو انه تمت معالجة المشكلات التي تراكمت مع الزمن بسبب اخطاء ارتكبتها ادرارات الجزيرة المتعاقبة ، لا سيما مشكلة عدم المساواة والحد من الهيمنة المطلقة لبعض الاسر . واختم مداخلتي بكلمات قالها المفكر الصيني صن تزو في كتابه ” فن الحرب ” قبل 2500 سنة : “ان كسب الحروب دون قتال هو ذروة المهارة”. لقد نجحت الصين في تطبيق هذا المبدأ في سياستها على امتداد العقود السابقة ، ولكنها الان تجد نفسها في خضم معركة عنيفة ومكلفة لا تعرف نتائجها .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

18 + 10 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube