مهدي نهاوندي: تقديم وترجمة:جلال زنكَابادي
{منذ قرابة العقدين والمعطيات والمتغيّرات تشير إلى أن كلتا منطقتي آسيا الوسطى(المركزية)والقفقاس ستكون من المناطق الساخنة جداً بعد أفغانستان والعراق؛لأهميتها الجيوستراتيجية والإقتصادية عالمياً.فهي بمساحتها البالغة(400/994/3كم2)وعدد نفوسها المناهز ستين مليون نسمة،وثرواتها الهائلة:المعدنية،الزراعية والحيوانية؛قد عاد حضورها والتطلع إليها والإهتمام بها عالمياً،عقب إنهيار الإتحاد السوفياتي،حيث ظفرت دولها الخمس بإستقلالها،وهي جمهوريات:كازاخستان،قيرغيزستان،تاجيكستان،أوزبكستان وتركمانستان،وراحت شتى دول العالم تسعى إلى ودّها،وإقامة العلاقات معها،وتمويل العديد من المشاريع الإستثمارية فيها،ومن ثم تحقيق ماتروم من مصالح إقتصادية وسياسية؛بشتى الطرق والوسائل المتاحة.ولابد من الإشارة إلى السعي المستميت للولايات المتحدة الأمريكية لبقاء قواتها في العراق تمهيداً للعبور وبسط هيمنتهاعلى بحر قزوين لموقعها المهم جداً جيوستراتيجياً واقتصادياً(بترولياً بالأخص)
وهنا نتغيّا إلقاء الضوء على إحدى أهم مسائل هذه المنطقة،ألا وهي مسألة إعادة صياغة الهوية القومية والوطنية في هذه البلدان؛بتقديم ترجمة القسم الأهم من الفصل الأول من كتاب(جايكَاه ايران در آسياى مركزى)للباحث المختص مهدي سنايي نهاوندي(ط1/طهران/1998)علماً أن هذا الفصل يتطرق إلى العلاقات الثقافية،التاريخ المشترك،العادات والتقاليد المشتركة،الإسلام،التصوف واللغة الفارسية بين إيران وهذه البلدان.ولايخفى على المطّلع الحصيف مايشوب طرح المؤلف من مسحة(بان إيرانيزمية)بادية،أو مغلّفة بغلالة إسلاموية،وكذلك مجافاته للموضوعية عند تقديمه المشاهد التاريخية للعهدين القيصري والسوفياتي؛لاسيما تجاهله لحقيقة تاريخية جلية،ألا وهي أن العهد السوفياتي،رغم سلبياته،كان بالمقارنة مع سابقه نقلة إيجابية في تاريخ آسيا الوسطى على شتى الصُّعد:السياسية،الإقتصادية،الإجتماعية والثقافية،ولامجال في هذه الفسحة لنطرح وجهة النظر الموضوعية،التي تتطلب بطبيعتها وقفة أطول ومناقشة مستفيضة إن شتى الروابط والأواصر بين إيران وآسيا المركزية مبنية على العلائق الثقافية بصورة ملفتة للنظر.وبعد إستقلال جمهوريات آسيا المركزية،إبتداءً وقبل كل شيء،ثمة سوابق مشتركة لوشائج إيران معها،تسترعي الإنتباه،حيث يُشار في المقالات والتصريحات وكثير من الكتابات إلى الأرضيات المتعددة كالتقاليد المشتركة والدين المشترك والعلاقة مع اللغة الفارسية،في المنطقة ذاتها؛فهنالك مبدئياً قبول شعبي لجمهورية إيران الإسلامية في أوساط مواطني آسيا المركزية،وإن الإستقبال هذا مرتبط بالإحساس النابع من التاريخ المشترك لشعوب إيران وآسيا المركزية؛إذْ أن للقسم الأعظم من بقاع آسيا المركزية الراهنة خلفية تاريخية مشتركة مع إيران،كما أن لعلاقة شعوب آسيا المركزية وإيران جذوراً في العادات والتقاليد والأعراف المشتركة.
تعود علاقة آسيا المركزية مع إيران إلى ماقبل ظهور المسيحية،حيث كانت أنحاء كبيرة من آسيا المركزية الحالية أجزاء من إيران في الماضي الغابر(1)فقد هيمن(الماساجتيون)إبّان(القرنين4و3ق.م تقريباً)على جميع الأقوام البدوية الرحالة في آسيا المركزية من الشمال إلى الشرق حتى جبال(تيان شان)ومن المحتمل أنهم كانوا قد أخضعوا معظم أقوام سهوب كازاخستان؛ممّا أدّى ذلك إلى إنتشار ثقافتهم،التي كانت مقتبسة إلى حد كبير من ثقافة إيران الهخامنشية(الأخمينية)كما طال تأثير الفن الإيراني بعض الحرف اليدوية بصورة جلية حقبتئذ.ولقد عاش قبلهم السكا والسارمات(وهما من الأقوام إيرانية اللغة)إبّان(القرنين6و5ماقبل الميلاد)في سهوب آسيا الوسطى،وخاصة كازاخستان الحالية.و لئن نشر الماساجتيون ثقافتهم الموسومة بـ(البروخورفكائية)فإن الثقافة الإيرانية-كما أسلفنا-كانت داخلة في تكوينها،ناقلة معها الكثير من عناصر الثقافة السارماتية القديمة(2)
إن القسم الأعظم من آسيا المركزية هو(ماوراء النهر)القديم نفسه،حيث كان موطن الآريين ولغة(الإيرانفجة)الوارد ذكرها في(الآفيستا)وكان يضم أيضاً أقساماً من آسيا الوسطى.ولقد أصبحت منطقة آسيا المركزية المسماة قديماً بـ(ماوراء النهر)أو(خراسان الكبرى)بعد ظهور الإسلام وإنتشاره أحد مراكز التحولات العلمية والثقافية،وكانت للإيرانيين مساهمة كبيرة في نشر الإسلام هناك،حيث تأسست مدارس إكتسبت رونقها الخاص من النُظُم والأصول التعليمية والتربوية لأيران الغابرة؛حتى أضحت مركزاً لإنجاب وتنشئة العديد من العلماء الكبار(3)ثم خضعت بقاع ماوراء النهر وفرغانه إبّان القرنين العاشر والحادي عشر الميلاديين لسيطرة القراخانيين،ثم المغول،ثم الجغتائيين،ثم التيموريين،ومن ثم دخلت الدولة الخوارزمية إلى الساحة خلال النصف الثاني من القرن السادس الهجري(12م)وبلغت أوج قوتها في عهد السلطان علاءالدين محمد خوارزمشاه.
مع أن الحكام الترك كانوا ذوي علائق مع الخلافة العباسية،ويعملون للحيلولة دون تقدم وشيوع التشيّع ونفوذ الإيرانيين،إلاّ أن العناصر الإيرانية قد تمكن من بسط نفوذها السياسي والثقافي،وفي سائر مجالات التمدن الإسلامي:العلوم،الفنون،المعارف،الحكمة والآداب؛فحدث تقدم شامل.وهذا الأمر يبيّن دون ريب وجود نظام تربوي وتعليمي مرتبط بالثقافة الإيرانية،لاسيما وان الثقافة والتعليم عموماً قد حققا ميزات بارزة في هذه الحقبة،في سائر أرجاء إيران،وبالأخص في خراسان وماوراء النهر.
وخلال الفترة(القرن التاسع حتى الثاني عشر الميلادي/3-6هـ)نزح التركمان والأوزبك إلى أنحاء آسيا الوسطى،مشكّلين فيها قوة كبيرة،ثم إحتل الأوزبك أجزاءً من آسيا الوسطى،في أواخر القرن السادس عشر الميلادي(9و10الهجريين)وقد أفلح محمد خان شيباني في(1500-1501م/905-906هـ)في بسط سلطته على مدينة سمرقند،وتأسيس الدولة الشيبانية،بعد خوض حرب ضد حفدة تيمورلنكَـ(1336-1405م)وبعد بسط سيطرتهم على ماوراء النهر وخراسان؛شن الشيبانيون غزوة على كازاخستان،وشكلوا قوة عظيمة في المنطقة.وفي سنة(1610م/915هـ)شن الشاه عباس الصفوي(1571-1629م) حرباً على الشيبانيين؛لتحرير خراسان وماوراء النهر،ولقد إندحر فيها الأوزبك.وظل الشيبانيون يحكمون أرجاء آسيا الوسطى حتى سنة(1599م/1007هـ)إذْ إنتقلت السلطة إلى أيدي الهشترخانيين في تلك السنة.وفي أربعينات القرن(18م)شن نادرشاه حملة عسكرية على هذه المنطقة،وكان نادرشاه(1688-1747م)يتغيّا إعادة الوحدة السياسية بين إيران وماوراء النهر،والتي مزقها الشيبانيون من قبل،وقد أفلح في الإستيلاء على بخارى.
ومن جانبها بدأت الإمبراطورية الروسية فعالياتها في القرن(18م)وقد إستطاعت حتى نهليته أن تستولي على بقاع واسعة من آسيا الوسطى،وفي هذا السياق خضعت مدينة بخارى التاريخية لها في سنة(1834م/1242هـ)ثم ضم الروس تركمانستان في(1862م/1270هـ)إلى أراضي روسيا القيصرية.وبعد إندلاع الثورة البلشفية في(1917م/1325هـ)تغيّر إسم الإمبراطورية الروسية إلى(الإتحاد السوفياتي)الذي شرع في إيجاد نوع من الهوية الثقافية الموحدة لسائر سكان أراضيه.
كان(طريق الحرير)طوال التاريخ حلقة إتصال بين إيران وآسيا الوسطى،وعبر دراسته؛يمكن العثور على معلومات كثيرة عن تاريخ وثقافات المجتمعات،التي كانت تعيش حواليه،رافق الحرفيون والفنانون والمعماريون القوافل المارة على الطريق المذكور،حاملين ثقافاتهم وآدابهم وعاداتهم وتقاليدهم إلى أقصى البقاع.وجليّ أن طريق الحرير يتصل من أحد طرفيه بالحضارة اليونانية واللاتينية،ومن الطرف الآخر بحضارة آسيا الشرقية والصين؛وعليه يمكننا تلمس التأثير الثقافي المتبادل بين الحضارتين،فمثلاً نجد تماثيل لبوذا مصنوعة أو منحوتة بالإسلوب اليوناني والروماني.
ولقد كانت للمدنية والثقافة الإيرانية والإسلامية مكانتهما على امتداد هذا الطريق،حيث وصلت العلوم والمعارف واللغة الفارسية والثقافة الإيرانية إلى المجتمعات الأخرى.ويرقى أوج حقب الإرتباط الثقافي على(طريق الحرير)إلى حقبة تأسيس وازدهار الدول والدويلات حواليه؛فقد تأسست حقبتئذ مكتبات كبيرة في المدن الواقعة على الطريق الآنف الذكر،وزادت وتيرة تبادل المعلومات والمعارف بين المجتمعات الإسلامية واليونان والصين؛وهكذا استحال(طريق الحرير)على مدى التاريخ وسيلة حضور مشهود للغة والثقافة الإيرانيّتين،في المدن الواقعة عليه وحواليه من بخارى حتى كاشغر.
ممّا أسلفناه؛ندرك أن الثقافة والتقاليد والفنون الإيرانية،سواء في الحقبة،التي كان فيها ماوراء النهر جزءاً محسوباً ضمن الأراضي الإيرانية،أو مابعدها،فقد كانت مشهودة في كافة مناحي حياة شعوب آسيا الوسطى.ومن هنا فإن لغات أقوام آسيا الوسطى مليئة بالكلمات والإصطلاحات الفارسية:
(نان:خبز/داروخانه:صيدلية/آشخانه:مطبخ/كوجه:زقاق/بيغامبر:نبي،رسول/فرشته:ملاك)والعشرات من المفردات الأخرى الفارسية،التي مازالت أقوام آسيا الوسطى تتداولها،ثم إن الآثار الأدبية والفنية الكلاسيكية المعروضة في متاحف هذه المنطقة مدونة على العموم باللغة الفارسية،باستثناء البقاع الشمالية من كازاخستان،والتي لم تكن مأهولة حقبتئذ.وكذلك يتجلى الفن والمعمار الإيرانيان في أكثر العمائر االأثرية،المشيّدة في تلك الحقب التاريخية السابقة،في سائر مناطق آسيا الوسطى،حيث يمكن تلمس أسلوب المعمار الإيراني في مدارس ومساجد بخارى، والمدارس العلمية في سمرقند،والمساجد والأبنية القديمة في جنوب كازاخستان ومنها ضريح المتصوف الكبير الخواجه احمد يسوي(1113-1167م)والعشرات من الأبنية الأخرى،التي تشاهد على جدران أكثرها أسماء بناتها ومشيديها الإيرانيين،ويمكن تلمس الشبه الكبير بين الأسلوب المعماري لمدرسة(شيردار)في سمرقند ومدرسة(مير عرب)في بخارى،حتى ضريح اليسوي في مدينة تركستان بجنوب كازاخستان، وأسلوب مدرسة(جهار باغ)ومسجد إمام أصفهان والأبنية التاريخية الأخرى،في سائر المدن الإيرانية،حيث يتشابه المظهران الخارجي والداخلي لسائر هذه العمائر مع نظيراتها الإيرانيات تشابهاً دقيقاً.وحتى عقب خروج هذه المناطق عن سلطة وسيطرة إيران المباشرة،ومع شيوع الثقافة الإسلامية في آسيا الوسطى؛ظل حضور ثقافة الإيرانيين مصاحباً لنشر وترويج الإسلام،بشكل يمكن يمكن مشاهدة معالم التمدن الإسلامي في عموم المنطقة،حيث كان للإيرانيين دورهم المؤثر في نشر الإسلام وترويج اللغة والثقافة الإيرانيتين في عين الوقت؛فقد تعلم الشعب الأوزبكي الكثير من الفروض والأحكام الإسلامية باللغة الفارسية،حيث مازالت(صلاة الجنازة)مثلاً تؤدى باللغة الفارسية.
يرى راقم هذه السطور أنه يمكن فهم كل ماهو موجود من ثقافة ومدنية في آسيا الوسطى،ويتعلق بالقرون الأولى لظهور الإسلام ومابعدها،في إطار(تبادل الخدمات بين الإسلام وإيران)وتتضح الوحدة الموجودة بين فن ومعمار الأبنية في إيران وآسيا الوسطى الراهنة داخل الإطار نفسه.وهنالك الألاف من الآثار الباقية لأسلافنا،والتي نقشت على صفحات التاريخ باسم العديد من الأقوام وبعنوانها المشترك(الإيراني-الإسلامي)ومنها:طريق الحرير،خان الشاه عباس،مرصد ألغ بكَـ(1393-1449م)،برج طغرل(ت1063م)،مسجد كاشغر،ميدان ريكَستان في سمرقند،مقبرة الأمير نصر الساماني،مقبرة الشيخ صفي الدين الأردبيلي(ت1334م)والكيزان الفخارية لتل آفراسياب…وإن مايستلفت النظر هو شيوع الكثير من الكلمات الفارسية في لغات شعوب آسيا،كما أسلفنا،والذي يبيّن التأثير المتبادل،ويوضح ما مفاده أن الإيرانيين قد لعبوا دوراً مؤثراً في نشر الدين الإسلامي في سائر أصقاع آسيا الوسطى.
يعتقد الكثير من الباحثين أن أولى الثقافات التي تلقتها واستقبلتها أقوام آسيا الوسطى هي الثقافة الإيرانية،ويشهد على ذلك الكاتب الكازاخي مختار عوضوف،القائل أن ملحمتيّ(الشاهنامه)و(ليلى والمجنون)كانتا رائجتين في أوساط القبائل الكازاخية،حيين كان الكازاخ أميين(4)بل ودوّن تاريخ مناطق آسيا الوسطى وشعوبها باللغة الفارسية؛وتدل هذه الحقيقة على هيمنة الثقافة الإيرانية على عموم المنطقة،كما تدل على أن مشاهير المؤرخين خلال القرون(9-11هـ/15-17م)كانوا يؤلفون كتبهم باللغة الفارسية،ومنها:(شيباني نامه)لكمال الدين بنيائي،(زبدة الآثار)لمولانا عبدالله بن محمد بن علي نصراللّهي،(تاريخ أبي خيرخاني)لمسعود ابن عثمان كوهستاني و(بدايع الوقائع)لزيدالدين محمود واصفي،وقد تناولت تاريخ هاتيك المناطق بالتحقيق والتدوين(5)
ومن الممكن دراسة الماضي والموروث الثقافي المشتركين لآسيا الوسطى وإيران من خلال أعمال الشعراء والعلماء والمأثورات والمظاهر الشعبية في دول آسيا الوسطى،فقد تلقى أكثر شعرائها وعلمائها ثقافاتهم من المراكز العلمية والتربوية الإيرانية-الإسلامية(6)فأمثال:عليشيرنوائي،مختومقلي فراغي،أباي كوننباييف وصدرالدين عيني،الذين يعدون من الشعراء المشاهير المبجلين في جمهوريات آسيا الوسطى،كانوا قد نشأوا بدراسة التراث الشعري الإيراني،وانتهجوا سبل الشعراء الإيرانيين،ويؤكد جميعهم هذا الأمر بصراحة.هذا من جانب،ومن جانب آخر فإن الشعراء المشاهير أمثال:الفردوسي(932-1020م)،الخيّام(1040-؟1133م)،سعدي(1193-1294م)و حافظ(1320-1389م)معروفون في أوساط عوام المنطقة،وتتناقل الألسنة بعض أشعارهم .ويشير دعلي اكبر ولايتي إلى هذه الحقيقة قائلاً:”الناس يعرفون مدينة سمرقند من خلال رودكي(ت940م)وسوزني وأُلغ بكَـ،ومدينة بخارى من خلال محمد بن اسماعيل البخاري(ت780م)وأبي علي سينا(980-1037م)وعمعق وأبي الفضل محمد بن عبدالله بلعمي،ومدينة خوارزم من خلال محمد بن موسى الخوارزمي(ت849م)وأبي بكر الخوارزمي(928-993م)وجارالله الزمخشري(1075-1144م)وأبي الريحان البيروني(973-1048م)ومدينة ترمذ من خلال الترمذي(ت1152م)ومدينة ايبور من خلال الأنوري(ت1191م)ومدينة بُست من خلال أبي سليمان المقدسي،ومدينة بلخ من خلال مولانا جلال الدين(1207-1273م)وناصر خسرو(1003-1088م)وعنصري(ت1039م)وأبي محشر وأبي شكور البلخي،ومدينة خيوه بالشيخ نجم الدين كبرى(ت1226م)ومدينة خجند بكمال الدين محمد(ت1390م)”(7)وكان لكل هؤلاء العلماء المسلمين دور مهم في نشوء وتطوير وتقدم الثقافة والمدنية الإسلامية والإيرانية،وقد تبوّأ أكثرهم منزلة عظيمة في رفع شأن لغة وثقافة وتاريخ إيران؛بحيث يطالعنا هذا السؤال:-ألايمكن أن يُحسب هؤلاء علماء إيرانيين على إيران الراهنة؟فمع أن مساقط رؤوس أكثرهم في آسيا الوسطى،فهم ربيبو الثقافة والتربية الإيرانية والإسلامية،كما عُرفوا عالمياً كعلماء إيرانيين،وقد كانت إيران بالنسبة لبعضهم كالزمخشري ونجم الدين كبرى والفارابي(ت950م)حلقة الإتصال مع العالم الإسلامي والثقافة والمدنية الإسلاميتين.ولقد بلغت الثقافة الإيرانية شأواً وانتشاراً لم يثبطهما ماحدث من نزاعات وصدامات بين حكومات أتراك آسيا الوسطى والحكومات الإيرانية المتعاقبة.بل وغدت المنافسة بين هاتيك الحكومات أحياناً سبباً إضافياً لترويج ثقافة إيران وفنها،وهو ماتجلى في قيام حكومات آسيا الوسطى بتشييد العمائر الضخمة على طراز المعمار الإيراني،بل واستعانوا بالبنّائين الإيرانيين لبناء أكثرها،وهو الأمر الذي يشهد عليه ويؤكده البحاثة المعاصرون في آسيا الوسطى،فمثلاً إستعان أمير تيمور بالبنّائين الإيرانيين في تشييد العديد من المباني،منها ضريح الشاعر والمتصوف الكازاخي يسوي في جنوب كازاخستان(8)
وبالتزامن مع زيادة نفوذ روسيا القيصرية خلال القرنين(18و19م)،ثم قيام الإتحاد السوفياتي في الخمس الأول من القرن العشرين،نلاحظ ركوداً نسبياً في العلائق الثقافية بين إيران وآسيا الوسطى،ومع ذلك كان حضور الثقافة الإيرانية هناك بمستوى من القوة،في نظر بعض الباحثين؛بحيث كان يعيق ترويج الثقافة الروسية إلى حد ملحوظ(9)
الحكومة البلشفية والسعي إلى محو الماضي
بعد تسلم البلاشفة للسلطة وتشكيل الإتحاد السوفياتي؛قامت الحكومة الروسية المركزية بسلسلة من الإجراءات الهادفة إلى إيجاد نوع من الهوية الجديدة؛بغية توحيد الجمهوريات السوفياتية؛وعليه فقد إستهدفت هويات كل المسلمين باختلاف إثنياتهم وثقافاتهم القومية في آسيا الوسطى،حيث إتخذ ساسة الإتحاد السوفياتي(البائد)ثلاثة إجراءات:
أ-بدأت منذ(1925م/1304هـ)بحركة واسعة لغلق وتدمير المساجد،بحيث لم يبق أكثر من(1000مسجد)تحت السلطة الروسية في عقد الأربعينات،من أصل(27ألف مسجد)ولم تلتزم الماركسية بأية ديانة،في حين حاربت جميع الديانات،واستحالت نفسها ديانة!ومع ذلك فقد تساهلت الدولة السوفياتية مع الكنيسة الأرثدوكسية المسيحية إلى حد ما(10)
ب-الإستعاضة عن اللغتين الفارسية والعربية والخط العربي باللغة الروسية وخطها.حيث كان الخط العربي رائجاً قبلئذ،وكانت اللغة الفارسية هي لغة الإدارة،واللغة الجغتائية لغة المحادثة في معظم مناطق آسيا الوسطى.ورغم شيوع الخط العربي في سائر أنحاء آسيا الوسطى،ورواج اللغة الفارسية،فضلاً عن تدوين تاريخ أقوام المنطقة بهذا الخط وهذه اللغة؛فقد أحلّوا الألفباء اللاتينية محل الألفباء الفارسية/العربية في(1307ش/1928م)ثم أحلّوا الألفباء الروسية(والصواب:الأبجدية الكيريلية-المترجم)محلها رسمياً في سنة(1319ش/1940م)
ج-إستقدام عدد كبير من الروس والأوكرانيين والألمان إلى بلدان آسيا الوسطى كإجراء محسوب ومنظم للحكومة السوفياتية؛سعياً لترسيخ وتعزيز هيمنتها في سائر تلك المناطق،وإضعاف الثقافات والتقاليد والأعراف القومية والإسلامية فيها،علماً أن إسكان الروس كان قد إبتدأ في العهد القيصري،ثم تصاعدت وتيرته منذ(1306ش/1927م)بحيث بلغ عدد الروس المستقدمين هنالك(000/490/8ملايين نسمة)خلال الفترة(1929-1959م)
لقد إستهدفت البرامج التربوية،التعليمية والثقافية،خلال القرن العشرين،إضعاف الثقافات القومية،ونشر وترويج الثقافة الروسية،وقد بسطت الماركسية،بصفتها المنطلق الأساس،ظلها الآيديولوجي على كل الشؤون العلمية والثقافية؛حيث تقررت كقاعدة أصلية للإستدلال في جميع العلوم الإنسانية،ناهيكم عن أن الأخبار والمعلومات في العهد السوفياتي كانت تصل إلى الناس مقننة،وعن طريق القنوات الخاصة بالسلطات السوفياتية،كما كانت المناهج والكتب كافة تقدم على أساس الفكر الماركسي وفي إطار خاص ومحدد.وانطلاقاً من الوضع الخاص للإتحاد السوفياتي؛فقد كُرّست المناحي الثقافية كافة بكل امكاناتها لتكوين شعب سوفياتي واحد.ولم يُتَرجم عهدئذ ولو كتاب واحد عن لغته الأصلية مباشرة إلى إحدى اللغات المحلية:الأوزبكية،الكازاخية،القرغيزية وغيرها..وإنما عن اللغة الروسية..ثم إن الأخبار المذاعة عن طريق محطات الإذاعة والتلفزيون السوفياتية كانت تؤازر هذا السياق بأحادية ومحدودية طرحها بتقديم المعلومات عن المصادر الخارجية..ولقد طرح كاتب هذه السطور خلال السنوات(1373-1375ش)أسئلة بخصوص رسالة الإمام الخميني إلى كورباجوف زعيم الإتحاد السوفياتي آنذاك،كتّاب وجامعيين في جمهوريتيّ كازاخستان وقرغيزستان،وتملّكني العجب من أنهم لم يطلعوا البتة على خبرها!وتكشف هذه الواقعة كيفية تقديم الأخبار والمعلومات من قبل الحكومة السوفياتية للجماهير عبر قنوات محددة وبالصورة التى تريدها،في إطار منظورها السياسي الخاص.لقد كان الخبر السالف ذا مساس بالوضع الداخلي السوفياتي،وقد تناقلته وكالات الأنباء آنذاك في سائر أرجاء المعمورة.
برغم طرح وتنفيذ العديد من البرامج الشاملة من قبل زعماء الإتحاد السوفياتي خلال عقود طويلة؛لمحو الهوية الشرقية لشعوب آسيا الوسطى المسلمة؛بيّنت لنا الإجراءات المتعددة التي إتخذتها جمهوريات آسيا الوسطى عقب الإنهيار السوفياتي ونيل إستقلالها،أن شعوبها ظلت متمسكة بثقافاتها وتقاليدها الخاصة،في حين كان هدف النظام السوفياتي بعيد المدى هو خلق أناس من طراز جديد إشتراكي،وكان مفهوم الإنسان الجديد الإشتراكي مطروحاً ضمن البناء الفكري والتربوي الجديد بتكريس الثقافة والفنون والمباديء النظرية،التي تفرز السلوك الإجتماعي المأمول في نهاية المطاف.وطالما سعوا بكل هذه الأفكار والإجراءات الثقافية إلى توليد نمط منشود من البشر،لكن برامجهم الحديثة الرامية إلى صياغة هوية جديدة قد فشلت؛لكون شتى مناطق آسيا الوسطى ذات تاريخ مديد وعريق من حيث التقاليد والأعراف القومية القوية الراسخة،وذات المساهمات المشهودة في تشييد صروح العلم والفلسفة والحضارة في الشرق..وهكذا فإن تلك البرامج والإجراءات الرامية إلى محو الكثير من التقاليد القومية وصياغة هوية واحدة في الإتحاد السوفياتي قاطبة لم تتكلل بالنجاح المرجو،بل صار العامل القومي من أهم العلل الأساسية المقوّضة للصرح السوفياتي،وكانت لهذه البرامج في الوقت نفسه تأثيرات جلية جداً بهد الإنهيار السوفياتي،بل برزت قضية تحديد الهوية القومية وسبل إحيائها من بين أهم القضايا المتعلقة بحاضر ومستقبل جمهوريات آسيا الوسطى.وهكذا فقد قاومت شعوب آسيا الوسطى ضد برامج البلاشفة المفروضة عليها،وتكللت مقاومتها بالظفر،في الذود عن كياناتها القومية وتقاليدها القومية والدينية الأصيلة.ومع ذلك،لاريب في أن حكم سبعين سنة للنظام التربوي السوفياتي والتأثير العميق لسلطة الشيوعيين في البنى الإجتماعية قد ترك جمهوريات آسيا الوسطى تواجه أزمة هوياتها القومية.
السعي لإعادة صياغة الهويات القومية
بعد نيل إستقلالها عام1991شرعت جمهوريات آسيا الوسطى في إحياء وصياغة هوياتها القومية، بصورة جدية،وتوسّلت بفعالياتها إحلال هوياتها القومية والوطنية محل الهوية العامة السابقة في الإتحاد السوفياتي.ولم يواجه بعضها في مسعاها العديد من المشكلات كجمهورية تركمانستان؛لبعدها عن روسيا المركزية وقلة عدد الروس فيها،بينما واجهت المشكلات بعضها الآخر مثل كازاخستان؛لجيرتها مع روسيا،ووجود عدد كبير من الروس فيها،فضلاً عن تواجد قرابة المائة قومية وأقلية فيها؛مما يعرقل ذلك مسيرتها الرامية إلى صياغة هويتها القومية والوطنية،ويبيّن هذا الأمر المسألة الأساسية في تحديد الهويات الوطنية في آسيا الوسطى،والمرهونة بكيفية النأي عن روسيا،وصياغة هوية قومية مغايرة للروس،وقد إتخذت الجمهوريات المعنية إجراءين بهذا الخصوص(11):
أ-طرح هوية إقليمية واحدة، و(ظاهرة إعادة الصيرورة الأقليمية)تجسد الميل إلى هذا المسعى،بمعنى أن الهوية الجمعية لآسيا الوسطى تستوجب تكريس العودة والإستناد إلى الماضي،بكل ماينطوي عليه من ثقافة وتقاليد مشتركة،رغم أن ذلك لايعني الإجماع على هوية واحدة موحدة للجميع،بل الركون إلى بعض مايجتمع حوله أهالي المنطقة ويجمع مابينهم.وبالطبع ان هذه الهوية الأقليمية لآسيا الوسطى ذات علاقة بإيران وأفغانستان وولاية سين كيانكَـ الصينية(تركستان الصينية-المترجم)
تسعى جمهوريات آسيا الوسطى إلى المضي بهذا الإتجاه،وتخضع هذه الهوية الأقليمية للدراسة والبحث بصورة جدية،حيث بدأت مراكزها العلمية بإجراء العديد من الدراسات والأبحاث،وثمة تكمن طبعاً الأزمة الناشئة عن الإزدواجية في ثقافات هذه الشعوب،والتي تكونت خلال العقود الطويلة الماضية،منذ أن سعت الدولة السوفياتية لإيجاد هوية مشتركة لأكثر من مائتي قومية وأقلية إثنية،بفرضها الآيديولوجيا الماركسية-اللينينية عقيدة واحدة لكل القوميات والشعوب،مع إستخدام الخط الكيريلي وحده في سائر الجمهوريات،ناهيكم عن إحلال اللغة الروسية محل اللغات القومية؛كلما تسنى لها ذلك.لقد أقر الزعماء السوفيات تلك البرامج،لاسيما ستالين المعروف بمخططاته المؤثرة.وكانت برامجهم ترمي إلى بناء نمط جديد من البشر في سائر الإتحاد السوفياتي موسوم بـ(الإنسان الجديد الإشتراكي)(12)ولقد أدى فشل الإتحاد السوفياتي في خلق هوية سياسية واحدة موحدة،ومن ثم إنهيار هذه القوة العظمى؛أدى إلى الإنقطاع والخلخلة في هويات الجمهوريات السوفياتية،إذ إنهارت أبعاد الهوية الواحدة القائمة على الآيديولوجيا الماركسية؛تاركة وراءها أزمات شديدة في هويات الجمهوريات المختلفة.إن أزمة الهوية كانت أصلاً أحد الأسباب الرئيسة للإنهيار السوفياتي،كما ان أزمة الهوية الناتجة عن الإنهيار قد طالت أيضاً روسيا المركزية نفسها،حيث تتواجد فيها أقوام وشعوب وأقليات كثيرة،لايمكن أن تنسجم سوية في إطار هوية واحدة موحدة.
إن إحدى المسائل الرئيسة في جمهوريات آسيا الوسطى بعد الإستقلال هي مسألة تحديد الهوية القومية؛لأن الصلة المبتورة بالماضي وعواقب برنامج تكوين شعب واحد سوفياتي،قد تركت آثاراً عديدة في بنى وثقافات هذه المجتمعات،فقد دوّن الروس أقساماص من تواريخها،وتربت نخب عديدة من حكامها ومثقفيها في كنف النظام الشيوعي؛بحيث أدّى كل ذلك إلى الإنقطاعات في ديمومة وتحديد الهويات الوطنية لجمهوريات آسيا الوسطى(13)
ب-يتمثل الإجراء الأساسي الآخر لهذه الجمهوريات في سعيها الحثيث إلى طرح وتعظيم المظاهر الوطنية والقومية،ومن جملتها تقوية اللغات القومية والمحلية؛حيث أعلنت بعد إستقلالها بصورة رسمية إعتبار لغاتها:التركمانية،القرغيزية،الكازاخية،التاجيكية والأوزبكية لغات أساسية رسمية.ورغم انها الآن عاجزة عن الإيفاء بدورها المنشود لأسباب شتى،لكنها ستحظى بصفتها لغات رسمية بالعديد من البرامج لتقويتها وترويجها.
وهنالك إقدام آخر مؤثر لجمهوريات آسيا الوسطى،وهو الإحتفاء بأعلامها الكبار والمشاهير،حيث تبذل الجهود للتذكير والإشادة بشخصياتها التاريخية باعتبارها وجوهاً وطنية،وهي تصبو بهذا المسعى إلى إحياء وإعادة صياغة هوياتها القومية والوطنية،ومنهم:مختومقلي فراغي،أباي كوننبايف،مناس،عليشير نوائي،الفردوسي وصدرالدين عيني،وهم يعدون من الشخصيات الأدبية البارزة في تواريخ الجمهوريات:التركمانستانية،الكازاخية،القرغيزستانية،الأوزبكستانية والتاجيكية.ودأبت هذه الجمهوريات بعد إستقلالها تعنى بهم أكثر مما مضى؛سواء بنشر أعمالهم،أو الإحتفالات والندوات،وتبجيلهم بصفتهم وجوهاً للتجلّي الوطني وقدوات لتعزيز الوحدة القومية هنا وهناك.والتمعن في شخصية أيّ منهم؛يستجلي مدى إرتباط هذه الجمهوريات بثقافاتها وتقاليدها الموروثة،ومدى تماس وعلاقة مواطنيها بأعلام الأدب الفارسي شعراءً وكتاباً.
مختومقُلي فراغي
(1730-1780م)وجه شعبي ووطني تركمانستاني.كان شاعراً وعالماً مبجلاً جداً عند التركمان،وتتناقل الألسنة أشعاره في مختلف أوساط الشعب التركماني.يقع مثواه في منطقة(تركمان صحرا)في شمال شرقي إيران.وهنالك الآن عدة شوارع ومعاهد وجامعات ومراكز ثقافية مسماة باسمه.وكان مختومقلي قد إستلهم من أعلام الأدب الفارسي أشعاره المنطوية على المقاصد التربوية والأخلاقية.
آباي كوننبايف
(1845-1904م)شاعر ومفكّر كازاخي،ذائع الصيت بصفته أبرز وأكبر وجه شعبي ووطني كازاخي.وقد كان ذا إطلاع واسع على العلوم الدينية والآداب الشرقية،وخاصة الأدب الإيراني الكلاسيكي كآثار الشعراء الكبار أمثالكالفردوسي،سعدي،حافظ،مولوي،نظامي(1141-1209م)وغيرهم،إذ قرأ المتون الأصلية(الفارسية)للأشعار الملحمية وغزليات كبار شعراء الشرق،فضلاً عن ترجماتها باللغة الجغتائية.ويعد أول من أدخل العروض إلى الشعر الكازاخي،عن طريق إطلاعه على الشعر الفارسي.ولقد عرف بشغفه بقصص(ألف ليلة وليلة)(14)
إن آباي كوننبايف الذي يعد مؤسساً للأدب الكازاخي الحديث،والذي سلطت عليه الأضواء كشخصية بارزة بعد إستقلال كازاخستان،كان قد إستوحى الكثير من أشعاره من أرواح كبار شعراء إيران(15)ولقد خصصت منظمة اليونسكو عام1995للإحتفاء بالذكرى المائة والخمسين لميلاده،حيث جرى الإحتفال بمؤازرتها على نطاق واسع في كازاخستان،وكذلك أقيم إحتفال أسبوعي بالمناسبة نفسها في إيران،في شهر آبان ماه 1374ش.
لقد كان تأثير الثقافة الإيرانية كبيراً في تكوين آباي الشخصية الوطنية الكازاخية إلى حد تصريح السيد طلعت ماماشف وزير الثقافة الكازاخية بأن”آباي قد تخرج في مدرسة كبار الشعراء الإيرانيين”(16)
ميناس
بطل أسطوري قرغيزي وطني،ووجه شرقي ملحمي،قيلت عنه أشعار كثيرة شبيهة بأشعار الفردوسي الملحمية،وقد حازت الأشعار المتغنية به على أهمية فائقة في أوساط الشعب القرغيزي،خلال القرون الخوالي،بل وبجّل القرغيز رواتها كثيراً.والجدير ذكره هو أن المؤرخين القرغيز يقولون أن أمه كانت تاجيكية وتتكلم بالفارسية.وقد أُلف بالفارسية أهم كتاب عن سيرته النضالية.ولقد إحتفل الشعب القرغيزي في(1374ش/1995م)بالذكرى الألفية لميناس إحتفالاً كبيراً حضره كبار المسؤولين والشخصيات من دول عديدة.
عليشير نوائي
(1441-1501م)شاعر أوزبكستان القدير،بل أكبر شعراء اللغة الجغتائية.وهو وجه محبوب وشهير في أوساط الشعب الأوزبكي.وقد إتخذ(فاني)له لقباً شعرياً،وكان قديراً أيضاً في نظم الشعر والتأليف باللغة الفارسية،ويقع ديوانه الفارسي في(6000بيت من الشعر).كان شيرنوائي معروفاً بـ(نظام الدين ابن أمير)تعلم ودرس في الكتاتيب والمدارس الدينية،وتولى الوزارة في كهولته.كان شغوفاً بآثار الشعراء والكتاب الإيرانيين،لاسيما عبدالرحمن جامي(1414-1492م)الذي أشاد بنبوغه في أشعاره،وألف كتابه(نفحات الأنس)باقتراح منه.
لقد بلغ تبجيل نوائي إلى حد وجوب زيارة كل زوجين جديدين لضريحه بطاشقند،كتقليد موروث ضمن مراسم القران والزفاف.ولئن تأثر نوائي جداً بالشعراء الإيرانيين؛فقد جعله ذلك شاعراً كبيراً في آسيا الوسطى.
صدرالدين عيني
لاحاجة لنا بالإستطراد عن التاجيك،بل تكفي الإشارة إلى المكانة المرموقة للفردوسي في تاجيكستان في أوساط المثقفين والجماهير بدرجة لايتصورها الإيرانيون؛لكون الفردوسي قد صاغ هوية ثقافية للأقوام الإيرانية،ويحسب التاجيك أنفسهم أحد تلك الأقوام.وتتناقل ألسنة الناس هناك أشعار الفردوسي والخيام وسعدي وحافظ؛مما يزيد ذلك مشاعر الحب للغة الفارسية وإيران.أما صدرالدين عيني(1878-1954م)فهو رائد الأدب التاجيكي الحديث،ومن أبرز مشاهير تاجيكستان الموقرين،واشتهر كتابه(نماذج من الأدب التاجيكي)المطبوع عدة مرات في موسكو والجمهوريات الأخرى،وهو محط إحترام المثقفين والمواطنين التاجيك؛لدفاعه المشهود عن الأدب الأصيل التاجيكي والفارسي.
إن إختيار الشخصيات سالفة الذكر بصفتها وجوهاً شعبية ووطنية في جمهوريات آسيا الوسطى؛يبيّن بوضوح كيف ان شعوب تلك البلدان،برغم العقود الطويلة لتسلط الروس؛مازالت تبحث عن هوياتها الوطنية في مجال الثقافة والتقاليد والدين الإسلامي.
إن تجليل المظاهر الوطنية والقومية في جمهوريات آسيا الوسطى،في إطار الإنقطاع عن هوية(الإنسان الجديد الإشتراكي)وإحياء الهوية القومية الأصيلة،قابل للتحليل..ثم إن كتاب هذه الجمهوريات ماضون الآن برعاية رؤساء دولهم ،في تدوين تواريخ شعوبهم،وهذا الأمر ينطوي على أهمية فائقة؛إذ دأب الكتاب الروس على كتابة تاريخ المنطقة خلال القرون الثلاثة الماضية،مما يستوجب الآن إعادة النظر في سبل إعادة صياغة الهوية الوطنية والقومية لكل شعب من شعوب المنطقة.ولقد بلغت العودة إلى الأصالة إلى حد المبالغة والتطرف في بعض مناحيها؛بحيث تنفي كل ماكان إيجابياً في علائق هذه الشعوب بالشعب الروسي،كما أُضفي التبجيل والتجليل على بعض المظاهر القومية إعتباطاً،وبدون التحقيق والتدقيق في ذاكرة التاريخ؛فمثلاً ما يستلفت الإنتباه هو وضع تمثال تيمورلنكـ محل تمثال لينين في ساحة الإستقلال(الساحة الحمراء سابقاً)في طاشقند!وكذلك إتخذ تعظيم بعض الشخصيات الوطنية في هذه الجمهوريات(في أوزبكستان بالأخص)منحى عنصرياً متطرفاً(بان تركيزم)(17)
وفي مضمار إحياء الهويات الوطنية؛شرعت هذه الجمهوريات بتعظيم مدنها التاريخية،ويتجلى ذلك أكثر في جمهوريتيّ قرغيزستان وكازاخستان،حيث لم تكن مناطقهما الوسطى والشمالية مأهولة حتى القرون الأخيرة،وثمة يرد ذكر إسمي مدينتي(اش)و(تركستان)في قرغيزستان وكازاخستان كعاصمتين معنويتين(رمزيتين)لتينك الجمهوريتين؛ولذا فقد حظيتا بعد إستقلالهما بعناية ملحوظة،وحالياً تستعد الجمهوريتان للإحتفال في سنة(1377ش/1999م)بذكرى تأسيسهما،إذ تنوي كازاخستان الإحتفال بالذكرى الـ(1500)لتأسيس(تركستان)وتنوي قرغيزستان الإحتفال بالذكرى الـ(3000)لتأسيس(اش)،ولئن كانت تينك الجمهوريتان واقعتين من جهة الشمال تحت تأثير الثقافة واللغة الروسية؛فإن عنايتهما بتينك المدينتين تعد نوعاً من العودة إلى الجنوب،أي إلى حضارة ماوراء النهر.
من كل ماورد في مبحثنا هذا؛يمكن إستنتاج حقيقة مفادها ان إنهيار الإتحاد السوفياتي قد حض جمهوريات آسيا الوسطى على الإلتفات إلى هوياتها القومية والوطنية،وقد تمثل ذلك في إحياء تواريخها وثقافاتها؛في سبيل تشخيص وإعادة صياغة هوياتها الأصيلة الخاصة بها.كما ان أي تناول للتاريخ المشترك والتقاليد الثقافية المشتركة بين إيران وهذه البلدان؛يستوجب العودة إلى معطيات الماضي،ولاندحة من ذكر إيران.وقد بانت السوابق المشتركة بوضوح من خلال الشخصيات المعظمة في هاتيك الجمهوريات،بعد إستقلالها؛بصفتها رموزاً وطنية.وثمة عامل آخر من العوامل المهمة المستوجبة للإرتباط بين إيران وآسيا الوسطى،وهو ناشيء عن الروابط التاريخية بين الطرفين،ألا وهو تواجد أقليات من الطرفين،في كل طرف،أي خارج حدوده.ولهذه الواقعة جذور تاريخية تعود إلى الأزمنة التي كانت فيها التنقلات والإنتقالات جارية بين الإيرانيين وسكان آسيا المركزية على(طريق الحرير)فقد هاجر الكثير من الإيرانيين على مدى القرون إلى مناطق من آسيا الوسطى وسكنوها،كما هاجر الكثيرون من تلك المناطق إلى إيران واستوطنوها،وإن دراسة ظاهرة هذه الهجرة المتبادلة تتطلب أبحاثاً وتفاصيل موسعة أكثر.ففي إيران ثمة جمع غفير من الشعب التركماني يعيش في أنحاء محافظة مازندران والمناطق الحدودية المحاذية لتركمانستان،وقد حافظ هؤلاء التركمان على أصالتهم وتقاليدهم القومية،ويعدون عاملاً مهماً من عوامل الإرتباط بين إيران وتركمانستان.وثمة أيضاً أقلية كازاخية(قرابة عشرة آلاف نسمة)قد نزحت في ثلاثينات هذا القرن إلى إيران واستقرت في منطقة(كَركَان)إثر تزايد ضغوط ستالين الرامية إلى السيطرة على القبائل الكازاخية؛فاضطر عدد كبير من الكازاخ إلى الهجرة من كازاخستان طلباً للجوء إلى تركيا والصين وأفغانستان وإيران.ولقد سعت الحكومة الكازاخية خلال السنوات الأخيرة إلى إعادة هذه الأقلية إلى موطنها الأصلي؛بغية زيادة نفوس الكازاخ،وقد عرقلت بعض المشكلات الإقتصادية مسعاها..
لعل أحد التقاليد المشتركة المهمة بين الإيرانيين وسكان آسيا الوسطى يتجلى في الإحتفال بعيد نوروز ومراسم الإحتفاء بجمال الطبيعة،حيث تجري المراسم بصورة موسعة في هاتيك الجمهوريات؛ناشدة العودة إلى(الأصالة البارسية)وقد رافق عيد نوروز،في السنوات الأخيرة،العديد من المراسم الشعبية،ومنها إتتاح الأسواق النوروزية والبرامج المتنوعة الأخرى،والتي تضفي على بهاءً وبهجة أكثر على الإحتفالات.ومن مظاهر الإهتمام الواسع بهذا العيد؛هو حضور رؤساء الجمهوريات وكبار مسؤوليها في تلك الإحتفالات،التي غالباً ما تقام في الجامعات والمدارس والمراكز الثقافية المتعددة هنا وهناك،ودعوة الفرقالموسيقية والغنائية من سائر البلدان لإحيائها.والجدير ذكره هنا ان مدة الإحتفال بعيد نوروز،في التقاليد التاريخية الكازاخية تستغرق شهراً كاملاً!ولقد حصل هذا بعد الإستقلال؛بحيث إستلفت أنظار العديد من الكتاب الإيرانيين.
مما ورد في مبحثنا هذا رغم إقتضابه؛يتبيّن كيف ان الأواصر والوشائج كانت قائمة بين الإيرانيين وشعوب آسيا الوسطى،على مدى الحقب التاريخية،لاسيما في مضامير الثقافة والتقاليد والأعراف والموروثات الروحية والمعنوية،وقد إستنتجنا بأن الثقافة المشتركة سيكون لها شأن كبير في بعث وإحياء تلكم الأواصر والوشلئج التاريخية بين هذه الشعوب*