https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

– المؤلف: والتر ماكدوغال قسم المؤلف الكتاب إلى مقدمة تضم رؤى مختلفة لأحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، ثم خمسة أجزاء تتحدث عن مجموعة من العوالم: عالَم جورج واشنطن، وعالَم وودرو ويلسون، وعالَم روزفلت المتداخل، وعالَم كينيدي وانتصار الكنيسة المدنية، ثم عالَم أوباما وإحباطات الدين المدني العالمي. وقد تضمنت هذه الأجزاء على 28 فصلا تحليليا. في المقدمة يعدد الكاتب تراثيات الوجود والصيرورة للأرض الموعودة، التي صاغها الآباء المؤسسون لتعطي الفرصة للولايات المتحدة لتشكيل مستقبل العالم. وقد كان حقيقيا أن أميركا لعبت دورا عظيماً في مواجهة أخطار الفاشية والشيوعية، ولكن اضطراب إستراتيجياتها وسّع هذه الأخطار، وزاد كلفة مواجهتها بشريا وماديا وأخلاقيا. كانت الولايات المتحدة تمثل دولة الصليب في مواجهة الاتحاد السوفياتي الذي شبهه الكاتب بالساحرة الشريرة، لكن الأسئلة التي أثارها ذلك -على لسان الكثيرين وحتى من المحافظين الجدد- هي: هل التراث المبارك للأرض الموعودة المسيحية يتطلب حروبا صليبية في العالم الخارجي نيابة عن الآخرين؟ وهل الرغبة في فرض إرادة الولايات المتحدة في الخارج ونشر قيمها الأخلاقية والدينية يتطلب انتهاك المُثل والمبادئ التي صنعت عظمة أميركا في المرة الأولى؟ وباختصار: هل يمكن أن تصبح أميركا دولة غزوات صليبية وتبقى في نفس الوقت الأرض الموعودة؟ حدثت هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 وغزا الرئيس حينها جورج بوش الابن العراق 2003، وحشد جنودا وموارد ضخمة استنزفت الولايات المتحدة خلال عقد واحد. لكن هل كان كل ذلك فعلا حربا على الإرهاب؟ السبب الحقيقي الوحيد من وجهة نظر المؤلف ماكدوغال هو أن بوش قدم للأميركان ما كانوا يريدونه: التصرف بالطريقة نفسها عندما يجدون الشياطين الأجنبية تتدخل في مسيرتهم نحو السعادة. طالب الأميركيون بالثأر الكاسح والأمن التام، في الوقت التي تظاهرت فيه حكومتهم بأنها تخوض حربا صليبية عالمية. يؤكد المؤلف أن استجابة إدارة بوش لأحداث سبتمبر/أيلول كان يمكن التنبؤ بها تماما، وينقل ما خلص إليه آدم جارفينكل من أن ما حدث في عقد 11/9 لم يكن حول ما فعله الآخرون بالولايات المتحدة، بل ما فعله الأميركيون بأنفسهم داخل الكنيسة المفتوحة العابرة للقارات التي يسمونها دولة أميركا. في عالم “جورج واشنطن” يتحدث الكاتب عن الرجال الذين نشؤوا على قدسية حرب الاستقلال الأميركي عن بريطانيا، وعن حتمية الدخول في نادي الدول المسيحية المستقلة المطلة على الأطلسي. كان جيلا تكوّن من ائتلاف الوطنيين المنحدرين من مستعمرات ساحل البحر التي قامت بالثورة، وألغت النظام الملكي والامتيازات القانونية القائمة على أساس المولد. لقد كان عصرا شاهدا على ميلاد جمهورية “الحق الإلهي”. خلال الفصول من الرابع وحتى العاشر يطرح الكاتب الخطوات التي تحركت بها الجمهورية الجديدة على الصعيد الخارجي في حرب المكسيك، وعمليات الجيش الأميركي في الجنوب لترسيم الحدود. ويتنقل ماكدوغال بين جورج واشنطن وتوماس جيفرسون وجون كوينسي آدامز، ومشكلات الجوار، ووضع دستور الولايات المتحدة بعد الاتفاق على العلم الموحد لأميركا، وتنظيم المقاطعات والأقاليم، وإنهاء المستعمرات القديمة. لكن على صعيد السياسات الخارجية يقول المؤلف إن الولايات المتحدة تبنت بصرامة شديدة مبادئ الدين المدني الكلاسيكية في تعاملاتها مع الدول التي نشط التجار الأميركيون فيها، في المحيط الهادي وشرق آسيا والعالم الإسلامي والبحر المتوسط منذ عام 1783، ثم عن طريق الإرساليات التبشيرية بدءا من عام 1819. كانت أميركا قد نأت بنفسها عن الحروب والثورات الأوروبية في ذلك الوقت، وأعلنت “مبدأ مونرو” لردع الأوروبيين عن أي محاولة جديدة لغزو الولايات المتحدة. وقد مكّن ذلك أميركا من تركيز جهودها في الداخل لحل مسألتيْ السكان الأصليين والمكسيكيين في الجنوب الغربي، واجتياز الكلفة الدامية التي سببتها الحرب الأهلية (1861 – 1865). ينتقل المؤلف من جورج واشنطن إلى “عالَم وودرو ويلسون”، حيث كان القادة الأميركيون المتتابعون يرون أميركا مثالا بارزا وواضحا على الحرية، وأنها “آخر أمل على الأرض” كما قال الرئيس إبراهام لينكولن، وهي التي يقع على عاتقها واجب نشر الديمقراطية والحرية في العالم. ففي عام 1898 اندلعت الحرب بين أميركا وإسبانيا بعد الثورة الكوبية المطالبة بالاستقلال عن إسبانيا، والتي كبدت الشركات الأميركية خسائر ضخمة، خاصة بعد أن أغرقت إسبانيا البارجة الأميركية “مين” مما أدى لمقتل العشرات على متنها. خرجت الولايات المتحدة من الحرب منتصرة وتحولت إلى قوة عظمى سعت لاحتلال باقي المستعمرات الإسبانية في بورتوريكو والفلبين وغوام. وهكذا كانت أميركا “تنشر الديمقراطية والحرية” على أسنة الرماح والبنادق. تزامنت الحرب العالمية الأولى (1914-1918) مع افتتاح قناة بنما، لكن الرئيس حينها وودرو ويلسون ترفّع عن الانخراط في الحرب، وأيدته أغلبية الشعب حين أعلن أن الولايات المتحدة أكبر من أن تنزلق في الحرب وتمسك بحيادها. لكن الموقف المحايد لم يتعدّ عامين ونصف عام، إذ اندفع رجال الدين فتبنوا ضرورة تحمل أميركا لدورها العالمي في مكافحة الشيطان ودخول الحرب لنصرة الصليب. وكانت النتيجة هي ملايين القتلى من الأميركيين وجبال من الديون، دُفعت ثمناً لما سموه “دور الولايات المتحدة في تحمل المعاناة كما فعل المسيح لإنقاذ العالم”. في “عالَم روزفلت” يستعرض الكاتب فترة الكساد العظيم وزوال اللجام الأيديولوجي الذي كان يضعه ويلسون على الولايات المتحدة، وانكشاف مقولة أن أميركا الصليبية يمكن أن تغيّر العالم، واتضح أن العالم هو الذي يغيّر أميركا بطريقة مرعبة. كان الرئيس فرانكلين روزفلت انعزاليا رغم اعتقاده الجازم بأن القوة هي الحل الأفضل مع أي أنظمة عدائية حول العالم، لكن بدخول الحرب العالمية الثانية حيز التنفيذ أصبحت انعزالية الرئيس محرجة شيئا فشيئا، خاصة مع مرور الوقت وورود الأنباء بقرب انكسار بريطانيا، واحتياجها الحاد إلى السلاح والسلع الأميركية. كانت الحرب هي الشر الذي لا مفر منه، دخلت أميركا الحرب مدعومة بفكرة إنقاذ العالم، فادعى روزفلت أنه يحارب لتنظيف العالم من الشرور والأسقام القديمة، ووصف الرئيس دوايت أيزنهاور فترة الحرب بأنها “حملة صليبية في أوروبا”، تلك الحملة التي هُزمت فيها ألمانيا هتلر وضُربت اليابان بالقنابل الذرية. “عالم جون كينيديوانتصار الكنيسة المدنية”، هذا هو العنوان الذي بدأ به المؤلف الجزء الخامس. ففي خطاب التنصيب عام 1961 تحدث الرئيس كينيدي -الشاب الليبرالي الغني وخريج جامعة هارفارد الراقية- عن أن الاعتقاد بحقوق الإنسان لا يتولد من كرم الدولة بل من معية الله ويده. وأكد أنه “على أرض الله يجب أن يكون العمل مقرونا بالحق الذي وهبه الإله”. وتعهد للأميركيين والعالم بأن الولايات المتحدة ستدفع أي ثمن وتتحمل أي عبء لدعم الأصدقاء، ومعارضة الأعداء، وضمان بقاء ونجاح الحرية. كان كينيدي يقتبس عبارات من الكتاب المقدس وهو يدعو المواطنين إلى صراع النفس الطويل، والصبر ضد العدو المشترك للإنسان، وأصدر الرئيس نداءً دينيا للأجيال الشابة للمشاركة في الإيمان والإخلاص الذي يدعو إليه، لتخرج أميركا لقيادة الأرض، طالبين مساندة الله ومباركته وثوابه لعملهم هذا. كانت فترة كينيدي قصيرة وانتهت باغتياله، ولكن المؤلف يصفها بأنها كانت ساخنة في الصراع ضد الشيطان ممثلا في الاتحاد السوفياتي عدو العالم المسيحي. ويتنقّل الكاتب في هذا الفصل بين الرؤساء الذين عاصروا صعود وهبوط الشيوعية حتى انتهت دولتها على الأرض. في الجزء السادس من الكتاب، يرى المؤلف أن باراك أوباما لم يستطع تجديد الخطاب الديني المدني، وفشل في أن يقدم شكلا عقائديا مدنيا يناسب الألفية الجديدة. إن وضع الكنيسة والدين في الولايات المتحدة وتأثيرهما على سياساتها الخارجية كان يصبغ -في مراحله المتعاقبة- البلاد بملامح عصور هوبز وروسو والمكيافيلية ما بين القرن السادس عشر والثامن عشر، لكن بطريقة مختلفة جعلت الحلول التي قدمها الثلاثة أكثر استيعابا في الحياة السياسية الأميركية. يقدم ماكدوغال رؤيته وينقل عن عدد من المفكرين الأميركيين الذين يرون أميركا دولة تحكم ثقافتَها الأساطيرُ، التي نشأ الكثير منها عبر محاولات الهروب من التاريخ ثم العودة ومحاولة إحياءه من جديد. ويصف المؤلف تحليلَ أستاذ علوم الكمبيوتر الشهير ديفد جيليرنتر بالجريء؛ في موافقة منه خفية على قوله: إن أميركا ليست دولة علمانية بل هي جمهورية الكتاب المقدس. ويفسر ماكدوغال مقولة جيليرنتر بأن أميركا لم تعد دولة دين مدني، بل أصبحت صاحبة رابع أكبر دِين غربي في العالم، الدين المستمد من اليهودية والكاثوليكية والبيوريتانية (البروتستانتية التطهيرية). فالرئاسة الأميركية والمحكمة العليا قد صنعت إيمانا وعقيدة -بل وكتابا مقدسا- خاصا بالولايات المتحدة. تراجيديا السياسة الخارجية الأميركية – المؤلف: والتر ماكدوغال قسم المؤلف الكتاب إلى مقدمة تضم رؤى مختلفة لأحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، ثم خمسة أجزاء تتحدث عن مجموعة من العوالم: عالَم جورج واشنطن، وعالَم وودرو ويلسون، وعالَم روزفلت المتداخل، وعالَم كينيدي وانتصار الكنيسة المدنية، ثم عالَم أوباما وإحباطات الدين المدني العالمي. وقد تضمنت هذه الأجزاء على 28 فصلا تحليليا. في المقدمة يعدد الكاتب تراثيات الوجود والصيرورة للأرض الموعودة، التي صاغها الآباء المؤسسون لتعطي الفرصة للولايات المتحدة لتشكيل مستقبل العالم. وقد كان حقيقيا أن أميركا لعبت دورا عظيماً في مواجهة أخطار الفاشية والشيوعية، ولكن اضطراب إستراتيجياتها وسّع هذه الأخطار، وزاد كلفة مواجهتها بشريا وماديا وأخلاقيا. كانت الولايات المتحدة تمثل دولة الصليب في مواجهة الاتحاد السوفياتي الذي شبهه الكاتب بالساحرة الشريرة، لكن الأسئلة التي أثارها ذلك -على لسان الكثيرين وحتى من المحافظين الجدد- هي: هل التراث المبارك للأرض الموعودة المسيحية يتطلب حروبا صليبية في العالم الخارجي نيابة عن الآخرين؟ وهل الرغبة في فرض إرادة الولايات المتحدة في الخارج ونشر قيمها الأخلاقية والدينية يتطلب انتهاك المُثل والمبادئ التي صنعت عظمة أميركا في المرة الأولى؟ وباختصار: هل يمكن أن تصبح أميركا دولة غزوات صليبية وتبقى في نفس الوقت الأرض الموعودة؟ حدثت هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 وغزا الرئيس حينها جورج بوش الابن العراق 2003، وحشد جنودا وموارد ضخمة استنزفت الولايات المتحدة خلال عقد واحد. لكن هل كان كل ذلك فعلا حربا على الإرهاب؟ السبب الحقيقي الوحيد من وجهة نظر المؤلف ماكدوغال هو أن بوش قدم للأميركان ما كانوا يريدونه: التصرف بالطريقة نفسها عندما يجدون الشياطين الأجنبية تتدخل في مسيرتهم نحو السعادة. طالب الأميركيون بالثأر الكاسح والأمن التام، في الوقت التي تظاهرت فيه حكومتهم بأنها تخوض حربا صليبية عالمية. يؤكد المؤلف أن استجابة إدارة بوش لأحداث سبتمبر/أيلول كان يمكن التنبؤ بها تماما، وينقل ما خلص إليه آدم جارفينكل من أن ما حدث في عقد 11/9 لم يكن حول ما فعله الآخرون بالولايات المتحدة، بل ما فعله الأميركيون بأنفسهم داخل الكنيسة المفتوحة العابرة للقارات التي يسمونها دولة أميركا. في عالم “جورج واشنطن” يتحدث الكاتب عن الرجال الذين نشؤوا على قدسية حرب الاستقلال الأميركي عن بريطانيا، وعن حتمية الدخول في نادي الدول المسيحية المستقلة المطلة على الأطلسي. كان جيلا تكوّن من ائتلاف الوطنيين المنحدرين من مستعمرات ساحل البحر التي قامت بالثورة، وألغت النظام الملكي والامتيازات القانونية القائمة على أساس المولد. لقد كان عصرا شاهدا على ميلاد جمهورية “الحق الإلهي”. خلال الفصول من الرابع وحتى العاشر يطرح الكاتب الخطوات التي تحركت بها الجمهورية الجديدة على الصعيد الخارجي في حرب المكسيك، وعمليات الجيش الأميركي في الجنوب لترسيم الحدود. ويتنقل ماكدوغال بين جورج واشنطن وتوماس جيفرسون وجون كوينسي آدامز، ومشكلات الجوار، ووضع دستور الولايات المتحدة بعد الاتفاق على العلم الموحد لأميركا، وتنظيم المقاطعات والأقاليم، وإنهاء المستعمرات القديمة. لكن على صعيد السياسات الخارجية يقول المؤلف إن الولايات المتحدة تبنت بصرامة شديدة مبادئ الدين المدني الكلاسيكية في تعاملاتها مع الدول التي نشط التجار الأميركيون فيها، في المحيط الهادي وشرق آسيا والعالم الإسلامي والبحر المتوسط منذ عام 1783، ثم عن طريق الإرساليات التبشيرية بدءا من عام 1819. كانت أميركا قد نأت بنفسها عن الحروب والثورات الأوروبية في ذلك الوقت، وأعلنت “مبدأ مونرو” لردع الأوروبيين عن أي محاولة جديدة لغزو الولايات المتحدة. وقد مكّن ذلك أميركا من تركيز جهودها في الداخل لحل مسألتيْ السكان الأصليين والمكسيكيين في الجنوب الغربي، واجتياز الكلفة الدامية التي سببتها الحرب الأهلية (1861 – 1865). ينتقل المؤلف من جورج واشنطن إلى “عالَم وودرو ويلسون”، حيث كان القادة الأميركيون المتتابعون يرون أميركا مثالا بارزا وواضحا على الحرية، وأنها “آخر أمل على الأرض” كما قال الرئيس إبراهام لينكولن، وهي التي يقع على عاتقها واجب نشر الديمقراطية والحرية في العالم. ففي عام 1898 اندلعت الحرب بين أميركا وإسبانيا بعد الثورة الكوبية المطالبة بالاستقلال عن إسبانيا، والتي كبدت الشركات الأميركية خسائر ضخمة، خاصة بعد أن أغرقت إسبانيا البارجة الأميركية “مين” مما أدى لمقتل العشرات على متنها. خرجت الولايات المتحدة من الحرب منتصرة وتحولت إلى قوة عظمى سعت لاحتلال باقي المستعمرات الإسبانية في بورتوريكو والفلبين وغوام. وهكذا كانت أميركا “تنشر الديمقراطية والحرية” على أسنة الرماح والبنادق. تزامنت الحرب العالمية الأولى (1914-1918) مع افتتاح قناة بنما، لكن الرئيس حينها وودرو ويلسون ترفّع عن الانخراط في الحرب، وأيدته أغلبية الشعب حين أعلن أن الولايات المتحدة أكبر من أن تنزلق في الحرب وتمسك بحيادها. لكن الموقف المحايد لم يتعدّ عامين ونصف عام، إذ اندفع رجال الدين فتبنوا ضرورة تحمل أميركا لدورها العالمي في مكافحة الشيطان ودخول الحرب لنصرة الصليب. وكانت النتيجة هي ملايين القتلى من الأميركيين وجبال من الديون، دُفعت ثمناً لما سموه “دور الولايات المتحدة في تحمل المعاناة كما فعل المسيح لإنقاذ العالم”. في “عالَم روزفلت” يستعرض الكاتب فترة الكساد العظيم وزوال اللجام الأيديولوجي الذي كان يضعه ويلسون على الولايات المتحدة، وانكشاف مقولة أن أميركا الصليبية يمكن أن تغيّر العالم، واتضح أن العالم هو الذي يغيّر أميركا بطريقة مرعبة. كان الرئيس فرانكلين روزفلت انعزاليا رغم اعتقاده الجازم بأن القوة هي الحل الأفضل مع أي أنظمة عدائية حول العالم، لكن بدخول الحرب العالمية الثانية حيز التنفيذ أصبحت انعزالية الرئيس محرجة شيئا فشيئا، خاصة مع مرور الوقت وورود الأنباء بقرب انكسار بريطانيا، واحتياجها الحاد إلى السلاح والسلع الأميركية. كانت الحرب هي الشر الذي لا مفر منه، دخلت أميركا الحرب مدعومة بفكرة إنقاذ العالم، فادعى روزفلت أنه يحارب لتنظيف العالم من الشرور والأسقام القديمة، ووصف الرئيس دوايت أيزنهاور فترة الحرب بأنها “حملة صليبية في أوروبا”، تلك الحملة التي هُزمت فيها ألمانيا هتلر وضُربت اليابان بالقنابل الذرية. “عالم جون كينيديوانتصار الكنيسة المدنية”، هذا هو العنوان الذي بدأ به المؤلف الجزء الخامس. ففي خطاب التنصيب عام 1961 تحدث الرئيس كينيدي -الشاب الليبرالي الغني وخريج جامعة هارفارد الراقية- عن أن الاعتقاد بحقوق الإنسان لا يتولد من كرم الدولة بل من معية الله ويده. وأكد أنه “على أرض الله يجب أن يكون العمل مقرونا بالحق الذي وهبه الإله”. وتعهد للأميركيين والعالم بأن الولايات المتحدة ستدفع أي ثمن وتتحمل أي عبء لدعم الأصدقاء، ومعارضة الأعداء، وضمان بقاء ونجاح الحرية. كان كينيدي يقتبس عبارات من الكتاب المقدس وهو يدعو المواطنين إلى صراع النفس الطويل، والصبر ضد العدو المشترك للإنسان، وأصدر الرئيس نداءً دينيا للأجيال الشابة للمشاركة في الإيمان والإخلاص الذي يدعو إليه، لتخرج أميركا لقيادة الأرض، طالبين مساندة الله ومباركته وثوابه لعملهم هذا. كانت فترة كينيدي قصيرة وانتهت باغتياله، ولكن المؤلف يصفها بأنها كانت ساخنة في الصراع ضد الشيطان ممثلا في الاتحاد السوفياتي عدو العالم المسيحي. ويتنقّل الكاتب في هذا الفصل بين الرؤساء الذين عاصروا صعود وهبوط الشيوعية حتى انتهت دولتها على الأرض. في الجزء السادس من الكتاب، يرى المؤلف أن باراك أوباما لم يستطع تجديد الخطاب الديني المدني، وفشل في أن يقدم شكلا عقائديا مدنيا يناسب الألفية الجديدة. إن وضع الكنيسة والدين في الولايات المتحدة وتأثيرهما على سياساتها الخارجية كان يصبغ -في مراحله المتعاقبة- البلاد بملامح عصور هوبز وروسو والمكيافيلية ما بين القرن السادس عشر والثامن عشر، لكن بطريقة مختلفة جعلت الحلول التي قدمها الثلاثة أكثر استيعابا في الحياة السياسية الأميركية. يقدم ماكدوغال رؤيته وينقل عن عدد من المفكرين الأميركيين الذين يرون أميركا دولة تحكم ثقافتَها الأساطيرُ، التي نشأ الكثير منها عبر محاولات الهروب من التاريخ ثم العودة ومحاولة إحياءه من جديد. ويصف المؤلف تحليلَ أستاذ علوم الكمبيوتر الشهير ديفد جيليرنتر بالجريء؛ في موافقة منه خفية على قوله: إن أميركا ليست دولة علمانية بل هي جمهورية الكتاب المقدس. ويفسر ماكدوغال مقولة جيليرنتر بأن أميركا لم تعد دولة دين مدني، بل أصبحت صاحبة رابع أكبر دِين غربي في العالم، الدين المستمد من اليهودية والكاثوليكية والبيوريتانية (البروتستانتية التطهيرية). فالرئاسة الأميركية والمحكمة العليا قد صنعت إيمانا وعقيدة -بل وكتابا مقدسا- خاصا بالولايات المتحدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ستة + 16 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube