https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

السياسة الأميركية لإدارة كارثة الديون تدل على أن الجنون والغباء السياسي يسيطران على الولايات المتحدة. فالولايات المتحدة دولة فاشلة وممزقة سياسياً واجتماعياً. وعلى أوروبا أن تُدرك أخيراً أن عليها الاهتمام بشؤونها الخاصة.
إن كلمة «غرب» كان لها معنى في السابق. فهي كانت توصّف أهدافاً وقيماً مشتركة، وفضائل الديموقراطية والعدالة إزاء الدكتاتورية والطغيان. لكنّ هذا أصبح من الماضي. فالغرب لم يعد موجوداً. ومن يرد وضع أوروبا والولايات المتحدة في موقع واحد، فعليه ان يرتدع. وفي النهاية، ما نعلمه اليوم هو أن أميركا لم تعد دولة «غربية».
إن نظاماً حكومياً، تقبض عليه أيادي النخبة، وتهيمن عليه نزعة عسكرية عدوانية، أنتجت خلال العقد الماضي، حربين مدمّرتين في العراق وأفغانستان، قد أسفر عن نشوء مجتمع مشرذم سياسياً واقتصادياً يبتعد أكثر فأكثر عن نواة الديموقراطية.
لقد تبدّلت أميركا. ونأت بنفسها بعيداً عن «الغرب». كما ان التفكك والانهيار الاجتماعي لهذا البلد الغني يثيران الاستغراب والدهشة، خصوصاً أن صانعي السياسة فيه لا يعبأون بتداعيات سياساتهم الاعتباطية على المجتمعات والدول الأخرى، وبشكل خاص، على اقتصادات الدول الأوروبية، والغربية عموماً. وهم يتجاهلون تحذيرات «جوزيف ستيغليتز» الحائز جائزة نوبل للاقتصاد، الذي يقول: «في العديد من دول ما يُعرف بالعالم الثالث، يشهد الفارق بين مداخيل الأغنياء والفقراء، انخفاضا ملحوظا، فيما هو يتصاعد في الولايات المتحدة الأميركية».
إن الطريق الذي تسلكه واشنطن يقود إلى «وضع جمهورية الموز»، بحسب قول الاقتصادي «بول كروغمان»، الحائز جائزة نوبل أيضاً. فكلما ارتفع مستوى عدم المساواة، تراجعت إرادة الأغنياء في المساهمة في الخير العام للمجتمع، وكلما ارتفعت حدة «الكراهية» والحقد، سيطر العمى على التعقل. وفي هذه الحرب الأهلية الأميركية الجديدة، بدأ الاحترام لأعلى منصب في البلاد، يتضاءل، بحيث ان باراك أوباما، أول رئيس أسود، لم يعد قادراً على اتخاذ أي قرار، ولا حتى التفاهم مع كبار المسؤولين من الصقور في الحزبين الكبيرين.
الإنقاذ لا يبدو ممكناً في المستقبل المنظور. ولم يعد بالإمكان الركون إلى الحراك السياسي في الولايات المتحدة. فالخضوع الكامل للنواب والشيوخ لإرادة المتبرعين من الأغنياء، أصبح واضحاً، ولن يحصل أي «هجوم على سجن الباستيل» في المستقبل القريب.
وبالمقابل، فإن الغضب الشعبي عارم، لكنّ النخبة المسيطرة، عرفت كيف تسيطر عليه، وتوجيهه إلى حيث تريد هي.
ومن وجهة نظر أوروبية، تبدو هذه الصورة الأميركية غريبة. فثقافتها السياسية مختلفة، ونحن نشعر أكثر فأكثر بأننا مختلفون. وهذا الوضع الأميركي يشكل إنذاراً للأوروبيين، يجب ان يدفعنا إلى العمل الجاد على حماية ثقافتنا السياسية، ومؤسساتنا ودولنا.
من جانب آخر، فإن هذا الوضع الأميركي، يمكن ان يكون مناسبة جيدة بالنسبة إلينا، بحيث اننا سنجد أنفسنا مضطرين لأن نتعلم كيف نفكر كأوروبيين بعيداً عن الصراعات الأميركية التي تجاهلت قيمنا الإنسانية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، والتي هي فعلاً قيم «الغرب» الصحيحة.

مجلة «دير فرايتاغ»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تسعة عشر + تسعة عشر =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube