https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

الكاتب :حسين كنعانكتاب حسين كنعان الجديد «من جورج واشنطن إلى أوباما: الولايات المتحدة الأميركية والنظام الدولي» (دار النهار – بيروت)، يدرس التجربة الأميركية في النشأة والتطور والحكم، في ضوء تكوّن الرؤى السياسية لدى رؤساء أميركا السابقين واللاحقين، منذ جورج واشنطن، استناداً إلى تركيبة النظام الديموقراطي فيها ومسار عمل آلياته، وصولاً إلى مرحلة رئاسة باراك أوباما الأولى والحالية، وكيف يمكن أن تشرع في حل مشكلة الاقتصاد الأميركي المزمنة، وتحقق رؤيتها من خلال إنجازاتها في مضمار الضمان الصحي، وعبر توقيعها اتفاقية سولت (Salt) مع الروس التي أشاعت مدى واسعاً من الطمأنينة والسلام الدوليين. اتخذ المؤلف مثال تولّي الرئيس باراك أوباما الحكم مرتين متواليتين سبيلاً للغوص في مفاصل التجربة التأسيسية الدستورية الديموقراطية التي قام بها المؤسسون الأوائل على صعيد نشوء الولايات المتحدة الأميركية. غير أنه لم يُغفل، في سعيه للوصول إلى هدفه، استعراض مراحل تلك النشأة، منذ إعلان دستور الأمة الأميركية، مروراً بعرض صلاحيات الرئيس وعلاقته بالمحكمة العليا والسلطات العسكرية، لحين إظهاره البانوراما الشاملة لرؤية الرئيس ومعاونيه، استناداً إلى مضامين الذات الوطنية وسلوكيات القيادة. وأكد المؤلف خلال استعراضه تلك الأمور على أهمية فلسفة النظام الاقتصادي الحر بالنسبة إلى دور الرئيس أوباما واستراتيجيته السياسية، استناداً إلى خلفيته البيئوية والثقافية ومدى قراءته والتزامه بالثقافة السياسية الأميركية. في هذا الفصل يكشف المؤلف عن تساؤلات المواطن الأميركي حول اقتصاد بلده، وكيف أخذ هذا الاقتصاد يلقي بظلاله على الحياة الأميركية، حتى جعل المواطن يشعر بأن ثقته لم تعد كما كانت بالذين يحكمونه. هذه الحال «لم يسبق أن كان ما يشبهها في التاريخ الأميركي، وحال القلق التي تساور المواطن الآن هي صعبة وجدية، إذ لا يرى في الأفق القريب، ولا حتى البعيد، ما يبدّد القلق» (ص 105). ويعزو الأسباب التي أوصلت المواطن الأميركي إلى هذه الحالة، واستناداً إلى رأي معظم الأميركيين أنفسهم، إلى أن «الولايات المتحدة تمر في حال من التردي سببها تردي الاقتصاد العالمي نفسه، الذي خرج عن قدرة الدولة على تفادي الأمر، وأن سيطرة الآلة (Automation) والتكنولوجيا اللتين حلتا مكان اليد العاملة، جعلت المنافسة قوية، بسبب اليد العاملة الرخيصة في العالم الثالث، وعدم جني الأرباح التي كانت تتمتع بها أميركا سابقاً، بالإضافة إلى العولمة، التي فتحت الأسواق بعضها على بعض، وجعلت الدول الفقيرة تتقن التكنولوجيا الحديثة، وتتقدم على هذا الصعيد». (ص 106) يضيف كنعان: «وربما يكون السبب الرئيسي أن الولايات المتحدة قامت في السنوات الأخيرة على الدفع بسياسة رأسمالية متوحشة، بينما الدول الصناعية الأخرى المنافسة وضعت حداً لهذه الرأسمالية، فقد بلغت الضرائب على الدخل في بعض الدول الصناعية أكثر من 70 في المئة بينما في أميركا لم تصل إلى أكثر من 40 في المئة، وأصبح المواطن الأميركي أكثر تقبلاً للنتائج التي يفرزها السوق وتمليها العولمة، وأصبحنا نتقبّل بُعد المسافة بين طبقات المجتمع مثل بقية أبناء الدول الفقيرة التي تؤمن بالقدر نفسه. ووفق ما ورد في مجلة «فورين أفيرز» -عدد نيسان (ابريل) 2013-، فإن «الرأسمالية هي نظام اقتصادي وعلاقات اجتماعية، من سماتها الأساسية الملكية الفردية، وتبادل السلع، والخدمات بواسطة أفراد يتمتعون بالحرية ويستعملون دينامية السوق للسيطرة على وسائل الانتاج وتوزيع البضائع والخدمات». وهذا ما جعل الرأسمالية والديموقراطية صنوان لا يفترقان، وأن «عدم المساواة في النظام الرأسمالي ناتج من انعدام الفرص المتاحة أكثر من افتقاد الإمكانات لاستثمار الفرص». وتخلص المجلة إلى «أن فلسفة النظام الرأسمالي التي تبنتها أميركا منذ تأسيسها ربما تكون وراء كل ذلك، وعلينا ألاّ ننسى الرفاهية التي نعمت بها هذه الدولة من جرائها. أضف إلى ذلك أن أميركا لا تزال الأكثر ازدهاراً، والأكثر تطوراً وإبداعاً في المجالات التكنولوجية، وربما الصناعية بعد دول شرق آسيا. ولكن هذا لا يكفي المواطن الأميركي، الذي يرى أن بلاده ترزح حالياً تحت أعباء ديون تبلغ اليوم 16.2 تريليون دولار أميركي، وأن التكنولوجيا الجيدة والاختراعات الأميركية أصبحت عاملاً في زيادة النمو العالمي، وليس الأميركي». بعد استعراض طبيعة الاقتصاد الأميركي راهناً وموقعه من الاقتصاد العالمي ومعاناة الرئيس أوباما من جرّائه، يصل المؤلف إلى الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط ونظرة أوباما إلى الإسلام ومشكلة وقف الاستيطان في فلسطين. يعرّف أولاً طبيعة هذه الاستراتيجية منذ تأسيسها وصولاً إلى عهد الرئيس أوباما. (ص 127-130) ثم ينتقل إلى نظرة أوباما إلى الإسلام، فيقول: «وضع الرئيس اللوم على الحرب الباردة التي حرمت الكثير من المسلمين وجعلتهم يعانون قساوة العيش ويُحرمون حقهم في تحسين أوضاعهم، ووقفت الشيوعية حاجزاً في وجه الحداثة، والعولمة والتقدم. وبسبب ذلك استغل بعضهم الفرصة واتجه نحو العنف ضد المدنيين. وجاءت أحداث 11 سبتمبر الأليمة، واتخذ منها المتطرفون الأميركيون موقفاً عدائياً من المسلمين، لكن الإسلام بريء من كل ذلك، لقد زرعوا الكراهية ورجحوها على السلام ورغد الحياة المدنية، ومع ذلك يجب أن تكون هناك بدايات جديدة بين الإسلام وأميركا، بناء على المصلحة المشتركة، ودعم حقوق الإنـسان، والابتعاد من الـخوف وعـدم الـثقــة على أسـاس أن الإسـلام وأميـركا لا يتعارضان، بل يكمل واحدهما الآخر، على خطى ومبادئ العدالة، والتقدم، والتسامح وحقوق الإنسان… إلخ». أما عن مسألة الاستيطان، فإن أوباما “يقرّ بأن المصدر الرئيسي للتوتر في الشرق الأوسط هو القضية الفلسطينية، وهي مبنية على علاقات تاريخية وثقافية، ويحق أن يكون لهم وطن». (ص 134)، لكنه لم يتطرق إلى القوى الضاغطة اليهودية في الداخل الأميركي، ومدى تأثيرها على الحياة السياسية الأميركية. ويذكر أن الشعب الفلسطيني بمسلميه ومسيحييه يحق لهم بوطن وأن يعيشوا بأمان وسلام، وقد تحمّل هذا الشعب المآسي على مدى ستين سنة، ومما لا شك فيه أن الوضع الفلسطيني لا يطاق، وأن أميركا يجب ألا تدير ظهرها إلى تطلعات هذا الشعب المشروعة بإقامة دولته على أرضه، جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل، وأن يعيش الجانبان بأمن وسلام. ويطالب الفلسطينيين بالتخلي عن العنف وإطلاق الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية، من دون أن يتطرق إلى الاعتداءات الإسرائيلية على الضفة والقطاع بالطائرات والدبابات التي هي من صنع أميركي، وبالذات يطالب حماس بالتخلي عن لغة العنف، وأن تعترف بحق إسرائيل بالبقاء.يضيف المؤلف: «يعترف الرئيس أوباما بأن المستوطنات يجب أن تتوقف، لكن الإسرائيليين ماضون في سياسة الاستيطان غير عابئين بالقول الأميركي السياسي غير القابل للتطبيق، ولكن بعد أن انتخب للمرة الثانية قد ينجو من عقدة الانتخابات ولا يترك لليمين المتطرف في إسرائيل أن يتمادى في الاستيطان وعدم القبول بالدولة الفلسطينية. ربما على إسرائيل أن تحتاج إلى رئيس أميركي قوي يفرض إرادته ويفرض السلام عليها وعلى غيرها، ولا يترك رياح الحرب تعصف بالطرفين إلى ما لا نهاية. ومن الجهة العربية، فإن الرئيس أوباما على حق عندما يقول إن الدول العربية يجب ألا تستخدم الصراع مع إسرائيل كصراع في وجه التقدم، والسير في ركب الحضارة العصرية».أوباما الأسود ذو الأصل الكيني فهم النظام الأميركي واستطاع أن يحقق أهدافه ويدخل البيت الأبيض من خلال فهمه لهذا النظام. وهناك أيضاً أشخاص من جنسيات متعددة، بينهم أكاديميون وأصحاب شركات، حققوا أهدافهم كأفراد، نظراً لفهمهم طبيعة هذا النظام الرأسمالي الأميركي وتركيبته الداخلية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

10 − واحد =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube