https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

دشنت نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة بداية عهد بوتيني سادس فيروسيا. ثلاثة من العهود الخمسة الماضية قضتها روسيا وفلاديمير بوتين رئيساًلجمهوريتها وعهدان منها احتل فيهما منصب رئيس الوزراء. لا شك عندي أو عندكثيرين من متابعي التطور السياسي لروسيا منذ نهاية الحرب الباردة في أنالرئيس بوتين هيمن هيمنة مباشرة على إدارة السياسة الخارجية الروسية خلالالعهود الخمسة وسيكون المهيمن عليها في العهد السادس الذي ينتهي في منتصفعام 2024. كذلك لن أتردد في هذه الآونة المضطربة في وضعنا الإقليمي والوضعالدولي، ولمناسبة تدشين عهد بوتيني جديد، أن أعلن توقعي أننا سنشهد تصعيداًفي المواجهة المحتدمة حالياً بين روسيا والغرب بعامة. أتوقع في الوقت نفسهزيادة في شعبية وانتشار نموذج وفلسفة نظام بوتين في حكم روسيا في أنحاءأكثر من العالم. أتوقع أيضاً مشاهد غير مألوفة في العلاقات بين الصين فيالعهد الثاني للرئيس شي وروسيا في عهدها البوتيني الجديد وأميركا في عهد أوعهدي الرئيس دونالد ترامب. أتصور في الوقت نفسه أن سباقاً حامي الوطيس علىمناطق نفوذ ونشاط اقتصادي وممرات مائية سينشب في إفريقيا بخاصة وكذلك فيآسيا وأميركا اللاتينية، وهو السباق الذي ستحدد نتيجته الشكل الأولي لنظامدولي متعدد الأقطاب والمراتب. هذا الأخير بدأ فعلاً. بوتين لا يبدأ من فراغ. رأيناه في بداية عهده الأول يجرب الاقتراب منالغرب، وبكلمات أكثر دقة، جرب الاستمرار في السياسة الخارجية التي سارعليها عهد ما بعد سقوط الشيوعية. ننحّي النية جانباً لنعترف بأن هذهالمحاولات الروسية المبكرة قوبلت من الغرب باستهانة بالغة واستعلاء منفّر. نقدّر بأن الغرب أخطأ حين أراد أن يفرض على روسيا غير الشيوعية مكانة دنيافي المجتمع الغربي وموقعاً في الصف الثاني للدول الأعضاء في حلف الناتو. أراد أن يتعامل معها كما تتعامل الدول المنتصرة مع الدول المنهزمة. نقدرأيضاً بأن الغرب أخطأ مرة ثانية عندما تجاهل مشاعر جماعة الحكم الجديدة فيالكرملين والمؤسسة العسكرية الروسية والكنيسة الأرثوذكسية وراح يتمدد بحلفالأطلسي في دول شرق أوروبا حتى صارت أعلام الحلف تطل مباشرة على حدودروسيا. نعترف ثالثاً بأنه أخطأ حين اندفع بطاقة إعلامية وديبلوماسية هائلةليدعم الثورات الملونة التي نشبت في بعض دول أوروبا الشرقية. وقتها شعرحكام روسيا وعلى رأسهم فلاديمير بوتين بأن الغرب يعد نفسه لفرض حصار علىروسيا شبيه بالحصار الذي فرضه من قبل على الاتحاد السوفياتي. ربما لو سلك الغرب، والولايات المتحدة بخاصة، سلوكاً مختلفاً مع روسيا فيذلك الحين ولم يرتكب هذه الأخطاء الجسام لكان ممكناً أن يضع فلاديمير بوتينسياسة خارجية غير تلك التي انتهجها حتى الآن. ومع ذلك يرفض خبراء في شؤونالكرملين اتهام الغرب بارتكاب أخطاء مع روسيا. يقولون إن بوتين في الأحوالكافة؛ ما كان يقدر على انتهاج سياسة مختلفة إن هو أراد لنفسه شعبية ولروسيامكانة تستحقها تاريخياً وجيوإستراتيجياً، وإن هو لم يتجاهل ضغوطاً داخليةتزداد قوة بمرور الوقت واستمرار تصاعد الغطرسة الغربية. بوتين، رجل روسيا القوي، هو الذي يصنع السياسة الخارجية الروسية، بمعنى أنههو الذي يقرر لمن يستمع في جهاز الكرملين من المحيطين به. ولكنه أيضاًيقرأ تقارير أجهزة الاستخبارات ويحترمها باعتبار فضلها على تكوينه السياسيوالوطني ولكونها سنده الأهم. وفي رأي بعض المطلعين على بعض خفايا الكرملينتعتبر الاستخبارات الروسية بأفرعها كافة جماعة الضغط الأقوى تأثيراً في صنعالسياسة الخارجية في روسيا. يليها على الأرجح مجمع صناعة السلاح. ليسخافياً على أحد أن الرئيس بوتين قرر مبكراً جداً الدخول في سباق تسلح معالولايات المتحدة فور استعادة الجيش الروسي قوته وعافيته ومكانته. في ظنيأن بوتين تدخل في أوكرانيا وجورجيا ثم في سورية؛ مستجيباً لضغط من قادةالمؤسسة العسكرية ولحاجته الماسة إلى رفع معنويات جيشه وتدريبه على قتال فيأرض أجنبية وتجربة كل سلاح جديد تنتجه بلاده. يصعب تصور بوتين يتخذ قراراًبالاستيلاء على شبه جزيرة القرم والتدخل في سورية من دون ضغط من العسكريينالذين يريدون تأمين ميناء سيفاستيبول وأسطول البحر الأسود، وفي الوقت نفسهتأمين التسهيلات الروسية في ميناء طرطوس على الساحل السوري القريب من مضيقالبوسفور. بالإضافة إلى وكالات الاستخبارات والأمن الداخلي وصناعةالارتزاق العسكري المزدهرة والمؤسسة العسكرية الرسمية والمصالح الماليةوالتكنولوجية المرتبطة بصناعة السلاح؛ يلعب الشعب الروسي دوراً غير مألوفعادة في معظم الدول الغربية. الروس شعب مسيس وعالي الحس الوطني، وبخاصة بعدأن عاد يمتزج لديه الإحساسان، الديني والوطني. كان واضحاً الدور الذي لعبههذا المزيج أثناء حروب البلقان والأثر الذي خلّفه في مسيرة العلاقات بينروسيا ودول الناتو في مرحلة لاحقة. كان بوتين، ولايزال، واعياً لأهميةمراعاة المشاعر القومية للشعب الروسي. حول هذا الشأن يعتقد باحثون غربيونوروس أن وراء شعبية الرئيس بوتين الجارفة رضا غالبية شعب روسيا عن جهودهلتستعيد بلادهم مكانتها بين الأمم العظمى. يبقى عنصر كان يضغط طويلاً في عهود سابقة وسيظل يضغط طالما استمر اعتمادروسيا على مداخيل النفط والغاز لتسيير الحياة الاقتصادية. لا شيء يجعلالرئيس الروسي يغير اتجاهاً في سياسته الخارجية إلا أن ظهرت مؤشرات على قربوقوع أزمة اقتصادية أو نقص في المواد الضرورية. مرة أخرى تظهر أهميةالعلاقة التي تربط بين بوتين ونسبة كبيرة من شعب روسيا. لا ننسى أيضاً أنهفي نظر الشعب الروسي كان الزعيم الذي حارب الإرهاب في الشيشان وداغستان حتىقضى عليه وحقق درجة لا بأس بها من الأمن الداخلي، وطمأن شعوب روسيا إلى أنلا خوف يمكن توقعه من عدو خارجي بفضل سياسته الخارجية مع دول الجوار،وبخاصة الجوار الآسيوي. أستطيع القول في عجالة إن الرئيس فلاديمير بوتين التزم خلال عهود حكمهالدفاع عن أولويات السياسة الخارجية الروسية. تبدأ قائمة الأولوياتبالعلاقات مع كومنولث الدول المستقلة، أي مع دول الجوار. يعود هذا البند فيالحقيقة إلى عهود القياصرة؛ تارة يتمدد حتى جنوب أواسط آسيا وتارة ينكمشإلى حدوده الدنيا. إنه الخوف المركب والمعقد عند شعوب روسيا من تهديد متخيلأو حقيقي من غزوات تشنها جحافل أعداء روسيا القادمة من وسط أوروبا ووسطآسيا؛ إذ إن معظم هذه الحدود مفتوحة ومسطحة لا تحميها دفاعات طبيعية. البندالثاني في أولويات اهتمام السياسة الخارجية لروسيا هي المعارضة القويةلمحاولات الناتو التوسع شرقاً، وبخاصة منذ نهاية حرب الخليج حين راح الحلفيقصف صربيا ويغزو أفغانستان ثم احتل العراق وبعدها ليبيا. وفق الالتزامبهذا المبدأ كان لابد أن يتصدى بوتين بالقوة؛ لأنه لو خضعت أوكرانيا للناتولأصبح لروسيا حدود مشتركة مع الناتو بطول ألفي كيلومتر. من الأولوياتأيضاً التمسك باستعادة وتثبيت مكانة روسيا دولة عظمى، ومنها كذلك السعيالدائم إلى إقامة نظام دولي متعدد الأقطاب. فاز الرئيس بوتين بولاية جديدة من دون منافسة جادة ولم يكن لدى العواصمالغربية شك في أن استمراره في قمة السلطة في موسكو ينذر بمرحلة شديدةالتوتر في علاقات روسيا بالغرب. وواشنطن الراهنة جزءان؛ أحدهما يغص بمختلفالقوى المشاركة في صنع السياسة الخارجية الأميركية، منها مراكز البحوثوقيادات البنتاغون والإعلام وشركات صنع السلاح والكونغرس بمجلسيه، كلها معغيرها تتوقع مرحلة من السياسات الخارجية الروسية العدوانية وسباق تسلحرهيباً قد لا يصل خيال إنسان عادي إلى تصوره. الجزء الثاني ويمثله الرئيسدونالد ترامب الذي لا يزال واثقاً من أن الرئيسين وحدهما قادران على صنعسلام عالمي. هذا السلام؛ عالمياً كان أم إقليمياً، أو بين الدولتين الأميركية والروسية،يظل وهماً كبيراً لو لم يأخذ الرئيسان، بوتين وترامب، في اعتبارهما المعنىالحقيقي لانتهاء المرحلة الانتقالية التي اختارت القيادة الصينية أن تمرفيها قبل أن تستأذن في التربع على القمة الدولية منفردة أو مشاركة. أعتقدفي النهاية أن حسابات الدولتين، الأعظم سابقاً، واستعداداتهما العسكريةوالتكنولوجية لن تعني الكثير من دون الدراية العميقة بحقيقة وتفاصيل رؤيةالرئيس الصيني شي لموقع بلاده في القمة الدولية وأهدافها وخططها المرسومةفعلاً وفهمها لدورها وحدود طموحاتها كقوة أعظم.

الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان × ثلاثة =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube