https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

في مناسبة شهيرة؛ قال مؤسس الألعاب الأوليمبية الحديثة بيير دي كوبرتين إن “الأمر الأكثر أهمية ليس الفوز، بل المشاركة”. والآن، وقد وافقت كورياالشمالية على المشاركة في الألعاب الأوليمبية الشتوية المقبلة -التيتستضيفها بيونغ تشانغ في كوريا الجنوبية- فإن هذه العبارة اكتسبت معنىجديدا. على مدار تاريخ الألعاب الأوليمبية الحديثة كان فصل السياسة عن الرياضةأمرا مستحيلا. ولعل هذا الفصل لا يكون مرغوبا؛ ففي نهاية المطاف، يتلخص أحدأهداف الألعاب الأساسية في وضع الرياضة في خدمة السلام والكرامةالإنسانية. في مجمل الأمر، لعبت الرياضة -على مدى فترة طويلة- دورا بنّاءً في عالَمالسياسة على الساحة العالمية. ففي بطولة العالم لتنس الطاولة -التياستضافتها اليابان عام 1971- ركب لاعب أميركي حافلة الفريق الصيني متطفلا،مفتتحا بذلك ما أصبح يعرف باسم “دبلوماسية البينغ بونغ”. وبعد فترة وجيزة، وفي ذروة الثورة الثقافية؛ دعا ماو تسي تونغ فريق تنسالطاولة الأميركي لزيارة الصين، الأمر الذي مهد الطريق للزيارة التاريخيةالتي قام بها الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسونإلى الصين عام 1972. “في مجمل الأمر، لعبت الرياضة -على مدى فترة طويلة- دورا بنّاءً فيعالَم السياسة على الساحة العالمية. ففي بطولة العالم لتنس الطاولة -التياستضافتها اليابان عام 1971- ركب لاعب أميركي حافلة الفريق الصيني متطفلا،مفتتحا بذلك ما أصبح يعرف باسم “دبلوماسية البينغ بونغ”” وفي بطولة العالم لتنس الطاولة لعام 1991، والتي استضافتها اليابان مرةأخرى؛ شكلت كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية فريقا مشتركا، وتغلّب الفريقعلى الصعاب ففاز بالميدالية الذهبية في مسابقة النساء. لقد ساعدت الصداقةالحميمة التي نشأت بين اللاعبين في هزيمة الفريق الصيني في المباراةالنهائية. وللحظة وجيزة، نسي الكوريون المبتهجون انقساماتهم. الواقع أن كوريا الجنوبية، ربما تدين بديمقراطيتها الحديثة -ولو جزئيا علىالأقل- للألعاب الأوليمبية. ففي عام 1987، ومع اقتراب دورة الألعابالأوليمبية الصيفية في سول عام 1988، نجح الكوريون الجنوبيون في دفع نظامرئيسهم تشون دو هوان العسكري إلى عقد انتخابات ديمقراطية. وكان ذلك منعطفا مذهلا للأحداث، لأن تشون دو هوان كان يرى في رسو العطاءالأوليمبي على كوريا الجنوبية فرصة لتحسين صورة نظامه الدكتاتوري في الداخلوالخارج. ولولا اقتراب موعد انعقاد دورة الألعاب الأوليمبية، والضغوطالدولية التي جلبتها؛ فلربما لم يكن ليحدث التحول الديمقراطي في كورياالجنوبية، وعلى الأقل ما كان ليكون سلميا أو بالسرعة التي حدث بها. لكن ألعاب سول الأوليمبية لم تخلُ أيضا من جانب مظلم؛ فقد قررت كورياالشمالية -بعد فشلها في التوصل إلى اتفاق مع الجنوب بشأن كيفية المشاركة فيالحدث- مقاطعة الألعاب بالكامل. وفي 1987، وهو نفس العام الذي شهد انهيار دكتاتورية تشون؛ أُسقِطَت طائرةركاب تابعة لكوريا الجنوبية، والأرجح أنها أسقطها النظام الكوري الشمالي،في محاولة لعرقلة الانتخابات التي اقترب موعدها، ولتثبيط دول أخرى عنالمشاركة في الألعاب. وفي نهاية المطاف، تسببت دورة ألعاب 1988 في تعميق الانقسام بين الكوريتين،وما كانت لحظة الانتصار القصيرة في عام 1991 كافية لعكس ذلك الاتجاه. وانطلق الجنوب نحو الانفتاح على العالَم، في حين زاد الشمال من صلابة عزلته -التي ازدادت حِدة بعد انحلال الاتحاد السوفياتي- وسَلَك مسار الانتشارالنووي. بطبيعة الحال، لم يكن القرار الذي اتخذته كوريا الشمالية بتنظيم المقاطعةفي عام 1988 غير مسبوق. فتاريخياً، قاطعت دول عديدة الألعاب الأوليمبية، أوحتى استخدمتها منصة للترويج لقيم تتعارض مع الروح الأوليمبية. وكانت هذههي الحال تأكيدا عندما استضاف نظام أدولف هتلر دورة الألعاب الصيفية لعام 1936 في برلين. في عام 1945، نظر جورج أورويل إلى ألعاب 1936 ولاحظ أن “الرياضة الجادة… حرب بلا رصاص”. وقال إن الألعاب “ترتبط بصعود القومية، أي أنها ترتبط بعادةحديثة مجنونة تتمثل في تمييز المرء لنفسه بوحدات ضخمة من القوة والسلطة،ورؤية كل شيء من منظور الهيبة التنافسية”. ولم يكن أورويل بعيدا عن الصواب؛ ففي دورة الألعاب الأوليمبية الصيفية لعام 2008 في بكين -على سبيل المثال- كانت العلاقة بين الرياضة والقومية بارزةبوضوح. فكانت الألعاب ناجحة تنظيميا، ومكتملة بأساليب بنائية هندسية جديدةومتألقة. وكان فوز الصين في النهاية بعدد من الميداليات الذهبية -أكبر من أي دولةأخرى- سببا في تعزيز الفخر الوطني بلا أدنى شك. وعملت الاحتجاجات ضد معاملةالصين للتبت -أثناء تنقل الشعلة الأوليمبية حول العالم- على تغذية القوميةالصينية. واليوم، لا يزال الفخر الوطني يشكل محور تركيز أساسي للزعيم السياسي الذيأشرف على تنظيم ألعاب بكين، وهو الذي كان آنذاك نائبا للرئيس وأصبح الآنرئيسا للصين، ألا وهو شي جين بينغ. “ساعد الموقف الرصين التصالحي -الذي اتخذه الرئيس الكوري الجنوبي مونجيه إن، وقابله كيم بالمثل في خطاب العام الجديد- في تذويب الجليد بعضالشيء. وينبغي لنا أن نرحب بالجهود التي يبذلها الجنوب لتخفيف حدة التوتراتبتأجيله المناورات العسكرية المشتركة مع الولايات المتحدة، بقدر ما رحبنابقرار الشمال بالمشاركة في الألعاب الأوليمبية” على نحو مماثل، ساعدت الألعاب الأوليمبية الشتوية بمدينة سوتشي الروسية (فبراير/شباط 2014) في بث روح الحياة في نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتينالمريض آنذاك. وقبل ثلاثة أيام من موعد الحفل الختامي؛ أطلق بوتين تدخلهالعسكري في شرق أوكرانيا، وضم شبه جزيرة القرم. والآن تعود الألعاب الأوليمبية إلى شبه الجزيرة الكورية المضطربة، حيث لاتزال الكوريتان في حالة حرب رسمية، بعد مرور 65 عاما على الموافقة علىالهدنة. وقبل القرار الذي اتخذته كوريا الشمالية مؤخرا بالمشاركة في دورة ألعاببيونغ تشانغ، أعرب كثيرون -على نحو مفهوم- عن خوفهم من تكرار ما حدث عام 1988، أو استغلال زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون لهذه المناسبة من أجلتنظيم أحد استعراضاته للقوة العسكرية. وهذا هو ما حدث في بطولة كأس العالم لعام 2002، التي استضافتها كورياالجنوبية بالمشاركة مع اليابان. فمع اقتراب البطولة من نهايتها، والتيتميزت بأداء غير عادي من قِبَل الفريق الوطني الكوري الجنوبي؛ بدأت كورياالشمالية معركة بحرية مع الجنوب. لحسن الطالع، ساعد الموقف الرصين التصالحي -الذي اتخذه الرئيس الكوريالجنوبي مون جيه إن، وقابله كيم بالمثل في خطاب العام الجديد- في تذويبالجليد بعض الشيء. وينبغي لنا أن نرحب بالجهود التي يبذلها الجنوب لتخفيفحدة التوترات بتأجيله المناورات العسكرية المشتركة مع الولايات المتحدة،بقدر ما رحبنا بقرار الشمال بالمشاركة في الألعاب الأوليمبية. وبالفعل منذ صدور ذلك القرار، شهدنا دفقا مستمرا من الأخبار الطيبة: فسيسيرالمشاركون من الدولتين معا في حلف الافتتاح، بل وسيشكلان فريقا مشتركا فيرياضة الهوكي للنساء. يتعين على المرء -بكل تأكيد- أن يتساءل عن دوافع نظام كيم. ففي الماضي، لمتؤدّ الإيماءات الودودة من قِبَل الشمال إلى تنازلات حقيقية أو أي تقدم نحوإحلال السلام. ولأن الكوريتين سارتا معا في ثلاث دورات أوليمبية منذ عام 2000، فإن توخيالحذر سلوك مستحسَن. ولكن ينبغي لنا أن نقاوم الرغبة في الاستسلام للنزعةالقَدَرية، وأن نظل -بدلا من ذلك- داعمين لمبادرات الانفتاح من قِبَل كورياالشمالية. الواقع أن التهديد النووي الكوري الشمالي من غير الممكن أن يُدار دونمفاوضات. ولتحقيق هذه الغاية، فلربما تمثل دورة ألعاب بيونغ تشانغ -التيتأتي بعد ثلاثين عاما من دورة سول- الفرصة الأفضل طوال سنوات لبدء العملية. ولنأمل أن تُؤتي رحلة رياضيي كوريا الشمالية من بيونغ يانغ إلى بيونغ تشانغثمارَها الدبلوماسية، وأن نتذكر “ألعاب السلام” -كما أسماها مون- بمشاركةكوريا الشمالية فيها، وليس بعدد الميداليات النهائي.

الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 × واحد =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube