https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

بغداد ـ «القدس العربي»:تمر هذه الأيام الذكرى السنوية الأولى لمصادقة مجلس النواب العراقي على تشكيل حكومة حيدر العبادي، خلفا لحكومة نوري المالكي التي أدخلت العراق في سنوات عجاف من الانهيار الأمني والاقتصادي والاجتماعي، وجاءت حكومة العبادي بعد مخاض صعب تداخل فيه صراع مستميت لأحزاب السلطة مع صراع اقليمي ودولي على المصالح والنفوذ في البلد. ولعل أبرز النتائج والدلالات لتقييم فترة السنة الأولى من حكم العبادي، تؤشر لدخول البلاد في نفق مظلم من التحديات المصيرية الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والتي تتطلب حلولا واجراءات غير تقليدية وحازمة.
وأبرز المؤشرات لعمل السلطة التنفيذية هو الفشل في القضاء على الفساد الذي انتشر كالسرطان في كيان الدولة وأهدر كل قدرات الحكومة المالية والإدارية ووضعها على حافة الإفلاس وجعلها ليست عاجزة عن تنفيذ برنامج تنمية للبلاد، أو الاستمرار في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، بل وعاجزة حتى عن توفير رواتب الموظفين الحكوميين، وأطلق صفارة الانذار لكل الشعب العراقي بكافة مكوناته وقواه للتحرك للضغط على الحكومة، لمراجعة سياستها وإجراء تغييرات جذرية فيها لوقف الانهيار المتسارع للبلد، فكان انطلاق التظاهرات الشعبية العفوية المطالبة بالخدمات الأساسية وايقاف النزيف الاقتصادي من خلال محاربة الفساد والمفسدين من الطبقة السياسية التي جرت الخراب على البلاد مع التأكيد على تطهير السلطة القضائية من رموز الفساد فيها التي أعانت نظام نوري المالكي على سياسته المؤذية للبلد خلال ثمان سنوات. وقد انتشرت تلك التظاهرات في جميع محافظات العراق وحضيت بتشجيع من المرجعية الدينية التي حثت الحكومة على الضرب بيد من حديد للفاسدين. واذا كان العبادي قد استثمر زخم التفويض الشعبي والديني له لتغيير الأحوال، فأصدر سلسلة من القرارات والتعليمات المالية والإدارية التي أطلق عليها «الاصلاحات» والتي تركز معظمها على ترشيق هيكل الحكومة والتخلص من المواقع والمناصب الزائدة التي لم تقدم فائدة لأحد سوى حيتان الفساد التي لا تشبع.
ورغم أن اجراءات العبادي لم تكن بمستوى التغيير الجذري للعملية السياسية والإدارية أو بمستوى طموح الذين خرجوا إلى الشوارع، وانما كانت أجراءات تقشفية اضطرت إليها الحكومة لسد العجز في ميزانيتها الخاوية إلا من الموارد اليومية لتصدير النفط، ومع ذلك فإن تلك الاصلاحات كانت محط ترحيب من قبل كل الشعب العراقي وبارقة أمل على إمكانية انقاذ ما يمكن انقاذه ووقف التدهور المتواصل في أحوال البلاد، إلّا أن مرور الشهر الأول على الاصلاحات أبرز مقاومة عنيدة من حيتان الفساد لمسيرة الاصلاحات وفي مقدمتهم رموز حكومة المالكي وأحزابهم وخاصة بعد تعالي المطالبات باحالتهم إلى القضاء واسترداد الكم الهائل من الأموال التي اغتصبوها وحولوا معظمها إلى الخارج. وقد ظهر جليا أن المفسدين يضعون العصي في عجلة الاصلاحات من خلال خلق المشاكل السياسية والقانونية لافشال وعرقلة القرارات الجديدة تحت شعار حماية الدستور والقانون الذي وضعوه بانفسهم لحماية نهبهم لثروات البلد، ومستغلين ارتباط العبادي بنفس الأحزاب المتحكمة بالعملية السياسية الفاشلة.
ولعل أبلغ رسالة عن انعدام الأمل بغد أفضل للعراق بوجود السياسيين الذين يقودوه حاليا، لدى شريحة واسعة من العراقيين، برزت عبر ظاهرة الاندفاع غير المسبوق للشباب العراقي في الهجرة المشروعة وغير المشروعة إلى أوروبا، حيث جازف الكثير منهم بحياتهم وحياة عائلاتهم هربا من جحيم أوضاع العراق وللبحث عن أي مكان آمن بعيدا عنه.
وشهد العام الأول من حكم العبادي أيضا، اخفاقا واضحا في انهاء ظاهرة تنظيم «الدولة» عن المشهد العراقي وتأكد المراقبين بأن تحقيق هذا الهدف لن يكون كما صوره المسؤولون وبعض القوى المتحكمة بالعملية السياسية والحكومة بأنه نزهة سهلة، بل أثبت إنها تحدي مصيري تتوقف على نتائجه وحدة البلاد ومستقبلها.
فقد كانت المواجهات العسكرية بين القوات العراقية المسنودة بقدرات التحالف الدولي وقوات الحشد الشعبي ومقاتلي العشائر من جهة، وبين قوات تنظيم «الدولة» منذ بداية ظهوره في حزيران/يونيو 2014 بأن الاستخفاف بقدرات التنظيم وامكانياته هو خطأ قاتل، حيث تمكن من ترسيخ سيطرته على المناطق التي أصبحت تحت نفوذه وخاصة في الأنبار وصلاح الدين وكوكوك، كما يستمر باسلوب الكر والفر في المعارك ويكبد القوات العراقية خسائر ليست هينة، وتمكن من توفير موارد مالية كافية لاستمراره.
ويعتقد المراقبون أن أحد أهم أسباب اخفاق حكومة العبادي في القضاء على التنظيم المذكور هو عدم الاستفادة من قدرات أهالي المناطق المحتلة واستمرار التعامل معهم بشك وعدم الثقة من خلال التردد في تسليحهم وتهميش دورهم في تحرير مناطقهم، ووهو ما ظهر من خلال اصرار القوى الشيعية على افشال قانون الحرس الوطني المقرر لتشكيل قوة عسكرية من أبناء المحافظات المحتلة.
وجاءت حملة الانتقادات الحادة التي قوبلت بها زيارة رئيس مجلس النواب سليم الجبوري إلى الدوحة بالتزامن مع اجتماع للمعارضة العراقية فيها، لتؤكد بأن حكومة العبادي، وحسب قول نائب رئيس الجمهورية اياد علاوي، غير مهتمة وغير راغبة بتحقيق المصالحة الوطنية ومصرة على اتباع نهج حكومة المالكي سيئة الصيت بتهميش قطاع كبير من الشعب العراقي.
وضمن المؤشرات الأمنية لهذا العام، هو التنامي المتسارع لنفوذ الميليشيات المدعومة من قوى داخلية وخارجية، والتي أصبحت خارج نطاق سيطرة الدولة، بل وأخذت تتعمد افتعال الأزمات والمواجهات والاشتباكات مع القوات الأمنية العراقية في العديد من المواقع، وتنفيذ عمليات الخطف والاغتيالات لايصال رسالة بأنها أصبحت رقما يصعب التحكم به أو السيطرة عليه من قبل أي حكومة عراقية الآن ومستقبلا.
إن المحصلة النهائية التي نخرج بها لتقييم العام الأول من عمر حكومة حيدر العبادي، هي عدم قدرة حكومة العبادي على اجراء تغييرات حقيقية ما دامت أسيرة الارتباطات السياسية والاقليمية، وما دامت مترددة في محاربة قوى الشر المتحكمة بشؤون البلد.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد × ثلاثة =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube