https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

الكاتب فريدريك جرير

الكاتب الفرنسى “فريدريك جرير” هو رئيس مركز الدراسات الإنسانية ( الجناح الثقافي للسفارة الفرنسية بالهند) عاش لفترة كبيرة في الهند استطاع خلالها معرفة أحداث وتطورات المنطقة الذى عبر عنه في مجموعة من الكتب أهمها كتاب ” السياسة الهندية في نهاية الألفية ” تناول فيه الحديث عن فترة ما بعد الحرب وتأثيراتها المختلفة على الهند ودول آسيا ، وفي كتابه الأخير ” الإسلام السياسي في شبه القارة الهندية ” المنشور في العاصمة الهندية نيودلهى فى عام 2001 في 134 صفحة يقوم جرير بدراسة الاستراتيجيات الإقليمية والدولية للجماعات الإسلامية في منطقة شبه القارة الهندية ، ويرصد نقاط التقارب وحدود التعاون بينها على المستوى الدولي . ويكشف الميكانيكية التي تستطيع بها السلطات الباكستانية استخدام الجماعات لترقية اهتماماتهم الإقليمية والمحلية المتعلقة بكشمير وأفغانستان وكيف أن الند الباكستاني ” الهند تحديدا” تستغل نفس الميكانيكية لإشاعة الفوضى في باكستان . ان هذا الكتاب في الأساس يفسر كيف تستطيع الجماعات الدينية أن تساند أهداف وطموحات النظام السياسي بحيث تكون “حامل الشعلة التي تضئ طريق الطموحات الهائلة التي لا يستطيع أن يقوم بها على أرض الواقع”.

يبدأ جرير كتابه بالتأكيد على اهتمام معظم الدراسات الغربية بدراسة ظاهرة “الخطر الأخضر” (الإسلام السياسى) المتزايد في مناطق محددة فقط من العالم ( العرب وإيران) في الوقت الذى يتناسون مناطق أخرى لا تقل أهمية مثل شبة القارة الهندية ، الذى يعتبرها “المركز الثقافي للإسلام الأصولي فى العالم” ، ويقع جرير نفسه في نفس الإشكالية في كتابه حين يتناسى تأثير وتداخل بعض البلدان الإسلامية الأسيوية القريبة (اندونيسيا وماليزيا والفلبين) والتى تشهد تنامى ملحوظ أيضا لهذه الظاهرة. ولكنه يزيل هذا التناقض بعد ذلك عندما يعرف الظاهرة الإسلامية –كما يفهمها- بأنها الجماعات التي تسعى لتكوين “دولة اسلامية سياسيا ” وتتدخل في صناعة القرار كمعادل موضوعى لاستبداد النظام كباكستان ، مستشهدا بالتزام ابو العلاء المودوي ( مؤسس الجماعات الأسلامية في باكستان ) بالاحتفاظ للاسلام بمكان متقدم في سياساتها الداخلية والخارجية منذ عام 1947. ويسخر هنا جرير من الفكرة التي قامت عليها معارضة الجماعات الإسلامية في باكستان حين بدأ أبو العلاء المودوي معارضة مؤسس باكستان على جنينه المشهور بالدعوة لـ”لأسلام القومى ” (دعوته لاتحاد الدول ذات الأغلبية المسلمة في اتحاد دولى ) حين طالب بأن يكون حكم الإسلام في الدولة هو حكم “الأغلبية” وهو ما رآه المودودي نموذجا غربيا (يشجع الفرقة ويدمر أواصل الدعوة الاسلامية ) ، داعيا بأن يكون الإسلام هو أساس المواطنة في الدولة ، فى الوقت الذى يعتبر ان هذا لم يعد نقطة للخلاف في أى من المجتمعات الإسلامية المعاصرة فى الوقت الذى أثيرت هذه الفكرة في إسرائيل في نفس الوقت تقريبا عند نشأتها عام 1948. ( ولكننا نستطيع ان نفسر هذه النقطة بالصراع بين الأسلام والقومية فى القرن العشرين ، الذى نتج عن سقوط الخلافة العثمانية على أساس قومى مما نتج عن ذلك ظهور دول جديدة ذات انتماء دينيى فقط وبدون انتماء قومى مثل باكستان ، فى نفس الوقت الذى ولدت دولة جديدة بدون انتماء قومى ولكن بانتماء دينى ،وهى اسرائيل ). ويضيف جرير ان الجماعات الأسلامية في باكستان استطاعت ان تدخل تعديلا تكيكيا ملحوظا على دعوة جنينة من “الأسلام القومى” إلى “القومية الأسلامية” مما يراه خطوة من أهم خطوات انتشار الثورة الأسلامية في البلدان الأخرى.
ثم يتتبع جرير تاريخ العلاقة بين الجماعات والسلطة السياسية في باكستان وكيف تأرجحت هذه العلاقة خلال ما يعرف سياسيا بمبدأ “الاستدعاء و الاستبعاد ” الذى استخدمه الطرفين مستشهدا بعدة مواقف تاريخية متعددة حدثت على مر نصف قرن منذ اعلان استقلال باكستان عام 1947 وحتى وصول برفيز مشرف إلى الحكم في 1999 مثلما حدث عندما تولى الجيش السلطة في باكستان لأول مرة تحت قيادة أيوب خان الذى أكد على التنمية الاقتصادية والاجتماعية متناسيا البعد الديني ، مما اعتبره الإسلاميون وأدا للمشروع الديني في باكستان ومنعا لهم من الوصول للسلطة عن طريق الانتخاب، ولكن عندما تولى يحيى خان السلطة فان الجماعات الإسلامية سارعت بالتخلى عن وشاح الديمقراطية واتحدوا مع جماعات معينة من الجيش (مجموعات الطلبة) للقضاء على الحركات الطلابية والعمالية اليسارية فى البلاد عن طريق العنف فى الوقت الذى شهدت البلاد انفصال بنجلاديش، وقامت الجماعات بالتنصل من المسئولية معلنة أن الانفصال كان بسبب عدم التزام الرئيس بالمبادئ الأسلامية.ويرى جرير ان الفشل المحلي للجماعات يقابله نجاحا دعائيا خارجيا عن طريق شهرتهم بالقوة العسكرية والقدرة على الفعل والتغيير ، وهو ما يعطي السلطة السياسية في باكستان ذريعة في خلافاتها الخارجية حول مشاكل دولية و إقليمية ( كشمير – أفغانستان – طاجيكستان ) ، حيث تبنى الجماعات سياستها الخارجية على مبدأ الجهاد بين المسلمين ، وغير المسلمين ، وهو موقف تتغاضى الحكومة فى صراعاتها الحدودية والسياسية للتهرب من مسئولياتها وفي نفس الوقت لإعطاء الجماعات إحساسا زائفا بالقوة.
وينتقل جرير للحديث عن العلاقة بين الجماعات الأسلامية في باكستان ومثيلاتها في مختلف بقاع العالم ، فيقول بأن هذه الجماعات كانت على علاقة بالحزب الإسلامى لقلب الدين حكمتيار في أفغانستان منذ عام 1965، وهى صلة استغلها المخابرات والجيش الباكستاني منذ بدء حركة الجهاد العظمى ضد السوفيت بعد احتلال أفغانستان ، حيث حولت الجماعات الباكستانية باكستان إلى معبر للجهاد من الحلفاء من الوهابيين ، وهو ما اعتبر توزيعا متبادلا للمهمات بين الطرفين . حيث استطاع الباكستانيون تدريب المجاهدين من مختلف العالم على الحرب ، ليس فقط فى أفغانستان ولكن في شيشنيا ، وبوسنيا وسينكيانج ، ويعتبر أهم وأنجح نتائج التحالف بين الجماعات والجيش في باكستان كما يرى جرير هو القضاء على السوفيت ، وتكوين نظام إسلامي متعصب في أفغانستان حيث استطاعت مساعدة طالبان للوصول إلى الحكم في 1996. ولكن عندما عقد قاضى حسين صفقة بين حكمتيار و فصائل أحمد شاه مسعود المسماة بتحالف الشمال ، فأن الجماعات فقدت فائدتها للجيش الباكستانى مما افقدها تأثيرها السياسى على سياسة باكستان تجاه أفغانستان خلال أيام. وفى كشمير فأن الجماعات المتطرفة “حزب المجاهدين” الجناح العسكري للجماعات الإسلامية الذى يأمل بالقيام بثورة فجائية على الطراز الأيراني لإعادة الإقليم للهند ، فله أهمية كبرى عند الحكومة الباكستانية لأنه الفصيل الوحيد القادر على طلب الاستقلال والخضوع لباكستان ، وتنتهج هذه الجماعة سياسة معينة تعتمد على اثارة عدم الأستقرار في الجزء الهندي من الأقليم واقناع العالم بأن الهند ترتكب مخالفات لحقوق الإنسان في هذا الأقليم. ومن هنا يستطيع النظام الباكستانى الرسمى ان يظهر بدور “الغافل” عن دور الجماعات بدون أن يظهر بدور ” المحرض” .
وينتقل جرير للحديث عن سياسة الجماعات نحو البلاد الغربية فيرى انها تستخدم خطابا تقليديا يدعو إلى” الدفاع عن انفصال الهوية الإسلامية ضد المجتمعات الغربية الإباحية” ولكنها تتجاهل القطاع العريض من الشعب الذى يرفض مثل هذا النوع من الحماية الطفولية ، وخصوصا مع اعتماد الرئيس برفيز مشرف على سياسة انفتاحية موالية لأمريكا والانتشار المذهل للمجتمع المعلوماتى. ومن هنا فأن جرير يرى أن الجماعات الاسلامية في باكستان لا تمثل تهديدا على المجتمع الدولى نظرا لتراجع تأثيرها منذ تولى برفيز مشرف على المستوى المحلى واعتمادها على الأسلوب الديمقراطى الغربى في مخاطبتها للمجتمعات الخارجية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

3 − واحد =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube