https://chinaasia-rc.org/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

– المؤلف: ديفد كرونين نجد أن الكاتب -الذي قضى أكثر من عام في دهاليز الاتحاد يبحث في خفايا الأفضلية التي تتمتع بها كبرى الشركات فيه، وأمضى قبل ذلك سنوات عديدة في تغطية أخباره- يكشف في مؤلفه القوة المتنامية للشركات الخاصة في سياسات الاتحاد وتأثيرها في تقرير حياة شعوبه في مناح رئيسة عديدة ومنها الغذاء والحروب -أي صناعة الأسلحة- والمناخ. لأن الكتاب ليس من الحجم الكبير، نرى أن المؤلف قد ركز على مواضيع رئيسة وكثف من عرضه للحقائق ولوجهات نظره بخصوص القضايا التي طرحها، لكن من دون انتقاصها حقها في العرض. وزع المؤلف عرضه واستنتاجاته في الكتاب على سبعة أجزاء وخاتمة تلي المقدمة التي حوت عنوانين رئيسين هما: “خنق الديمقراطية سريا” و”الهرطقة والأمل”. أما الأجزاء السبعة التي يضم كل منها عدة فصول فمن المفيد ذكرها ليتسنى للقارئ أخذ فكرة، وإن عامة، عن منهجية المؤلف في بحثه في هذا الموضوع الشائك والمعقد، وفي المقام الأول، الإشكالي. والأجزاء السبعة هي كما يلي: تدمير دولة الرفاه، قصف مصرفي، الحروب مفيدة للمشاريع التجارية، عيشنا وحِميتنا، الدخان والمرايا، الغش في الحديث عن حقيقة وضع المناخ، إرث بيتر مندلسن الضار. اللافت أن الجزء السابع، وعلى عكس ما سبقه، لا يتناول تأثير سياسات الاتحاد الأوروبي في حياة شعوب الدول الأعضاء، وإنما يتجاوز ذلك للحديث في تأثير الاتحاد الضار في سياسات دول أخرى مثل الهند وكوريا الجنوبية وكندا ودول القارة الأفريقية وغيرها. “احتوى الكتاب سبعة أجزاء هي: تدمير دولة الرفاه، قصف مصرفي، الحروب مفيدة للمشاريع التجارية، عيشنا وحِميتنا، الدخان والمرايا، الغش في الحديث عن حقيقة وضع المناخ، إرث بيتر مندلسن الضار” معرفة مدى صحة تحليل المؤلف والاستنتاجات التي يصل إليها -وهي راديكالية إلى حد كبير، من دون أن يعني ذلك الانتقاص من أهميتها أو حتى التشكيك في صحتها- يستدعي إلمام القارئ ببنية الاتحاد الأوروبي والأجهزة المؤثرة فيه وكيفية تشكلها وعملها، وطرق اتخاذ القرارات الحاسمة فيه مما دفع المؤلف لتخصيص فصل مدخل بعنوان “دليل مقتضب للاتحاد الأوروبي”. وهذا بحد ذاته يجعل من الكتاب نقدا صريحا ومفصلا للاتحاد الأوروبي ومؤسساته وسياساته الاقتصادية. المؤلف يرى أن الاتحاد يصوغ سياساته الاقتصادية، وبالتالي الاجتماعية، لصالح القلة من الأغنياء، وهو ما عُرف بـ”الواحد بالمائة”، الذي كان شعار حركة “احتلوا” التي اندلعت في الولايات المتحدة في عام 2011، ضد هيمنة الواحد بالمائة من الأثرياء على مقدرات التسعة وتسعين بالمائة المتبقية! والمقصود بالدعوة “احتلوا” هو دعوة المتظاهرين والمحتجين لاحتلال وول ستريت بمدينة نيويورك، وهو شارع الشركات، والتي انتشرت في نحو ألف مدينة عبر الكرة الأرضية لتضم ما يزيد على ثمانين مدينة. الاحتجاجات كانت ضد هيمنة رأس المال ومالكيه الأقلية -أي الواحد بالمائة- على حياة البشر في مختلف أنحاء العالم. نظرا لتعقد بنية الاتحاد الأوروبي وكيفية عمل مؤسساته تفصيليا، ركز المؤلف في هذه المقدمة على كيفية اتخاذ الاتحاد قراراته، آخذين علما بأنه كلما كبرت مؤسسة ما، مثل الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة، تضحي متاهة يصعب على القسم الأكبر منا معرفة كيفية التحرك في قنواتها. قرارات الاتحاد الأوروبي تتخذها فقط ثلاث مؤسسات رئيسة مقيمة في بروكسل ببلجيكا هي المفوضية الأوروبية ومجلس الوزراء والبرلمان الأوروبي. المفوضية الأوروبية -يقول المؤلف- تتألف من 27 عضوا، كل واحد منها ترشحه دولته، وعادة ما يكون وزيرا سابقا أو خبيرا من قطاع الخدمة المدنية. المؤلف يرى أن في هذا الاختيار تتجلى “لاديمقراطية” الاتحاد الأوروبي، مما يعني -بالضرورة- “لا ديمقراطية” قراراته، فهو يشدد على أن المفوضين، أي أعضاء المؤسسة التنفيذية، أشخاص غير منتخبين، وبالتالي شعوب دول الاتحاد ليست لها كلمة في اختيارهم. يقول المؤلف: عادة ما يقوم رؤساء وزراء دول الاتحاد الأوروبي، أو رؤساء جمهورياتها أحيانا، باختيار رئيس المفوضية الذي يقوم بتوزيع مهام كل مفوض. ورغم أن أسلوب توزيع مهام المفوضين يوحي بالمساواة بين الأعضاء، فإن الحقيقة أن بعضهم أكثر مساواة من غيرهم. فسيطرة دول الاتحاد الأقوى على المناصب الأكثر أهمية مثل الشؤون الخارجية والمالية وغيرهما يوضح انعدام المساواة والميل دوما نحو منح الطرف الأقوى سلطات أكبر في الاتحاد! ولأن مهمة المفوضية الرئيسة تقديم المقترحات، فهذا يعني أن كل قانون يصدره الاتحاد الأوروبي يتم في المفوضية، أي الهيئة غير المنتخبة أصلا، حيث يتم تحويله إلى مجلس وزراء الاتحاد والبرلمان، وهو الهيئة الوحيدة المنتخبة مباشرة من دافعي الضرائب في دول الاتحاد الأوروبي. “تتجلى “لا ديمقراطية” الاتحاد الأوروبي وخضوع قراراته لهيمنة كبرى الشركات والمصارف في وجود جماعات الضغط المسماة اللوبي، التي تعمل على “كسب” انحياز هذا أو ذاك من أعضاء البرلمان الأوروبي المؤثرين” كما تتجلى “لا ديمقراطية” الاتحاد الأوروبي وخضوع قراراته لهيمنة كبرى الشركات والمصارف في وجود جماعات الضغط المسماة اللوبي، التي تعمل على “كسب” انحياز هذا أو ذاك من أعضاء البرلمان الأوروبي المؤثرين، وكذلك انحياز مؤسسات في الاتحاد ذات العلاقة لصالح هذا أو ذاك من القوانين. الأمر لا يتعلق ببضع أشخاص وإنما -دوما وفق المؤلف- بنحو عشرين ألف عضو يعملون في مجالات الاقتصاد جميعها، وفي كل مؤسسات الاتحاد الأوروبي. لم يكتف المؤلف بعرض نظري لبنية الاتحاد وكيفية اتخاذ القرارات الرئيسة فيه لصالح الأغنياء وضد مصالح الفقراء، بل أثراه بأمثلة عديدة نشرها في فصول الكتاب السبعة، رأى أنها تثبت هيمنة المؤسسات الصناعية على قرارات الاتحاد الأوروبي وبالتالي على قرارات الدول الوطنية. وهذا ما دفعه لإثراء كتابه بتفاصيل مهمة عن مواد محددة توضح مدى تأثير الشركات الكبرى في اتخاذ الاتحاد القرارات الكبرى والحاسمة لمسيرته وسياساته الاقتصادية والمالية، منها ما يلي: – تأثير المصارف في رسم السياسات المالية لدول الاتحاد. – تأثير شركات الأدوية. – تأثير الصناعات الغذائية وبالتالي بالسياسات الزراعية وما يرتبط بها من استعمال المبيدات الحشرية وشركات النفط. ولأنه من غير الممكن ذكر كل أمثلة الهيمنة ودور مؤسسات العلاقات العامة في التأثير في موظفي الاتحاد الأساس والجمهور والعامة لصالح هذا أو ذاك من السياسات الواردة في الكتاب في هذا العرض المختصر بطبيعة الحال، سنكتفي بذكر أمثلة محددة وباختصار توضح في ظننا مسار الكتاب واستنتاجاته: الكاتب يقول إن شركة مثل مونسانتو كانت تنتج مبيدات للأعشاب الضارة ثم بدأت بإنتاج محاصيل معدلة وراثيا مقاومة لتلك المبيدات التي كانت أنتجتها من قبل. وتبين للمؤلف من خلاله بحثه المتقصي أن تلك الشركة -وهي واحد من قلة- تهيمن على سوق الغذاء. ففي عام 2004 كانت واحدة من عشر شركات، وأكبرها، تتحكم في أكثر من نصف إنتاج العالم من بذور الحبوب. في الوقت نفسه، بحْث المؤلف المتقصي بيَّن له وجود رابطة بين هذه الشركات وتلك التي تنتج 84% من مجمل مبيدات الحشرات عالميا. وفي عام 2009 كانت هذه الشركات العشر تتحكم في 73% من مبيعات بذور الحبوب عالميا. “يقدم الكتاب معلومات مثيرة عن مدى هيمنة كبريات الشركات ورأس المال على قرارات مصيرية، بعضها تأثيره مرعب حقا، ويهم مئات الملايين من البشر، ليس في أوروبا فقط بل في أنحاء العالم” الكتاب مهم لأنه يزيل مساحيق التجميل التي تغطي وجه الاتحاد الأوروبي وسياساته الاقتصادية، ويوضح وجود ما يمكن وصفه بأنه تحالف غير مقدس بين رأس المال المهيمن وبيروقراطية الاتحاد الأوروبي. هذا التحالف يصدر القوانين التي يسنها الاتحاد الأوروبي، والتي هي نتاج مختلف جماعات الضغط -أي “اللوبيز”- التي تهدف إلى القضاء على نظم الرعاية الاجتماعية حيثما وجدت، لصالح سياسية اقتصادية نيوليبرالية تخدم مصالح كبار الشركات. الأمر المهم الآخر في الكتاب أنه يكشف تأثير صناعات الأسلحة في قرارات الاتحاد الأوروبي لصالح شنّ الحروب وخوض مغامرات عسكرية بهدف تحقيق أرباح إضافية من وراء ذلك. يحوي الكتاب معلومات مثيرة عن مدى هيمنة كبريات الشركات ورأس المال على قرارات مصيرية، بعضها تأثيره مرعب حقا، تهم مئات الملايين من البشر، ليس في دول الاتحاد الأوروبي فقط، وفي مجالات عديدة من مناحي الحياة منها المناخ والغذاء وبالتالي الصحة، وصناعات الأسلحة، أي الحروب. وخصص المؤلف خاتمته لمقترحاته حول كيفية استعادة الاتحاد الأوروبي من جماعات الضغط ومن هيمنة الشركات الكبرى ورأس المال على قراراته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثمانية عشر + ستة عشر =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube